تونس انقلاب داخلي أم تدخلات خارجية للإطاحة بالمشروع الديمقراطي
حالة من الترقب تشهدها تونس وترقب عربي ودولي بعد القرار الذي اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيد، بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإقالة الحكومة.
"ما قام به الرئيس قفز على الدستور"
الصحفي التونسي الحسين بن عمر وصف ما أقدم عليه الرئيس التونسي بأنه أصاب الشارع التونسي بالذهول، "وأنه قفز على بنود الدستور" الذي احتكم إليه التونسيون منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق بن علي، وقال إن أخطر ما في الأمر أن الرئيس التونسي خالف الفصل 80 من الدستور الذي يقضي بأن يبقى البرلمان في حالة انعقاد في حالة وجود أزمات في البلاد.
الفصل 80 من الدستور
يشير الفصل 80 من الدستور التونسي أن:
لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التّدابير في بيان إلى الشعب
ووفق الفقرة الثّانية من نفس الفصل:
يجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب "البرلمان" في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة، وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة
هذه المخالفة الدستورية أصابت النخب السياسية كما يرى الصحفي بن عمر في تصريحه لـ حسنى بحالة من "القلق والترقب" لما سيحدث، آملا من مكونات الطيف السياسي التونسي أن تبادر إلى معالجة ما حصل كي لا تتفاقم الأمور.
احتقان داخلي في تونس أوصل الشعب لهذه المرحلة
حالة من الاحتقان الداخلي الشعبي، أوصلت التونسيين إلى هذه المرحلة بسبب الظروف المعيشية الصعبة والتوسع بالفساد وتزايد معدلات الفقر والبطالة، حيث خرجت مظاهرات في عدة مدن تونسية تطالب بوقف الانهيار الذي حصل في الدولة، وخاصة تأزم الوضع الصحي بسبب تزايد حالات كورونا، حيث اعترفت المتحدثة باسم وزارة الصحة التونسية مصاف بن علي أن نظام الرعاية الصحية انهار بسبب الموجة الثالثة من فيروس كورونا، ووصفت الوضع بأنه كارثي.
بعد هذا الوضع بدأ التونسيون يعبّرون عن غضبهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مما وصلت إليه الأمور في بلدهم، واصفين الحال بالكارثية، ومحملين الحكومة المسؤولية الكاملة عن الأوضاع، ومنتقدين إجراءاتها الاحترازية حول الوباء، كما دشن التونسيون وسما على تويتر "انقذوا تونـس".
وبدأت بعض الدول تقدم مساعداتها إلى تونس، وبحسب علاقاتها وتطلعاتها للوضع التونسي، حيث تبرعت الإمارات بـ 500 ألف جرعة من اللقاح المضاد لكورونا، وتبعتها مصر والسعودية والجزائر وفرنسا وتبرعت قطر بمستشفى ميداني ضمن حزمة مساعدات طبية، وتعهدت الولايات المتحدة بإرسال نصف مليون جرعة لقاح، وكذلك دول أخرى ساهمت في حملة إغاثة دولية، وكأن هذه اللقاحات أصبحت ورقة سياسية لإظهار مدى العلاقات الدبلوماسية بين تونس وهذه الدول، ودفعت البلاد إلى تدخلات خارجية تريد وأد هذه التجربة كما حصل في بعض الدول العربية.
تداعيات كورونا مع أزمات مالية
لم تقف الأمور في تونس عند تداعيات كورونا، فقد أعلن وزير المالية التونسي محمد مزار يعيش أن تونس تعاني من أزمة مالية خانقة، وأقر الوزير أن تكلفة أزمة كورونا قاربت على 76.1 مليار دولار، وسيكون لها تأثيرها الشديد على الاقتصاد.
الرئيس التونسي، قيس سعيد، في ظل هذه الأوضاع الكارثية استعان بالجيش في جهود مكافحة كورونا، وتم إقالة وزير الصحة فوزي مهدي، على إثر مشاهد الفوضى في مراكز تطعيم تعاني من نقص الإمدادات، كما حصل أمس، حين استعان بالجيش الذي فرض إجراءات أمنية مشددة حول البرلمان بعد قرار الرئيس التونسي تجميد مجلس النواب بجميع سلطاته وتعليق حصانة النواب.
ترى الصحفية في الفاينانشال تايمز هبة صالح أن الوضع الصحي جراء فيروس كورونا فاقم من الأزمة الديمقراطية الهشة في تونس، وقالت:
على الرغم من النظر إلى تونس على أنها الديمقراطية الوحيدة بين الدول العربية، التي انتفضت على الدكتاتورية في عام 2011، فإن الوضع الصحي المتدهور، في ظل تفشي متحور "دلتا" مع انخفاض التطعيمات وتسجيل أعلى معدل وفيات لكوفيد-19 في العالم العربي، يختبر حدود النظام السياسي الذي تمزقه الخلافات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان
الصحفي التونسي بن عمر يصف قرارات الرئيس التونسي بأنها "قرارات عاجلة"، ويمكن أن تخرج تونس عن مسارها الديمقراطي.
فيما دان الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي قرارات الرئيس قيس سعيد واعتبرها "انقلابا على الثورة والدستور"، وطالب الشعب التونسي "بإفشال هذا الانقلاب"، معتبرا ما وقع انقلاب وخرق للدستور"، وقال: "سعيّد خرق الدستور الذي أقسم عليه وأعطى لنفسه كل السلطات".
الرئيس التونسي قرر أن يتولى السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس الوزراء الذي سيعينه بنفسه، وأنه جمّد جميع صلاحيات مجلس النواب، ورفع الحصانة عن جميع أعضاء المجلس، معتبرا أن تونس بحاجة إلى اتخاذ إجراءات غير عادية لإنقاذ البلاد في وجه النهب والحريق والتعدي، وأن بعض الجماعات التي لم يسمها تحاول بدء حرب أهلية في مناطق معينة، مدعيا أنها جمعت الأموال.
الدفاع عن التجربة الديمقراطية
واعتبر الرئيس سعيّد أن هذه القرارات حتمية حفاظا على الدستور ومصالح الشعب، فيما اتهم رئيس البرلمان راشد الغنوشي الرئيس قيس بأنه "انقلب على الثورة والدستور"، واعتبر "أن مؤسسات الدولة ما زالت قائمة وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
المنصف المرزوقي بيّن "أن الرئيس لم يأخذ هذه القرارات إلا ووراءه قوى تحميه وتحرضه"، مشيرا إلى هناك قرارا إقليميا بتصفية الربيع العربي وتصفية مكتسبات الثورات.
والسؤال هل يحمي الشعب التونسي بارقة الأمل في الديمقراطية العربية أم يسمح للتدخلات الخارجية بإحباطها، "فالشعب التونسي على المحك واختبار حقيقي للدفاع عن تجربته الديمقراطية "، كما يقول الصحفي التونسي بن عمر.