القدس .. الصراع على السيادة

الصورة
المصدر
آخر تحديث

فجرت الاقتحامات الأخيرة في شهر رمضان المبارك للمستوطنين والمتطرفين اليهود على المسجد الأقصى ردود فعل غاضبة حول السيادة الفعلية على القدس والأماكن الدينية والمسجد الأقصى بالذات.

في ظل هذه الأوضاع برزت تخوفات من وجود خطة تخفيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتعلق بتقسيم الحرم القدسي إلى قسمين بين اليهود والمسلمين كما حصل في الحرم الإبراهيمي في الخليل في عام 1994 بعد المجزرة التي نفذها المتطرف اليهودي جولدشتاين، وكان هناك 800 شخص يُقيمون الصلاة في شهر رمضان من نفس العام، حيث أطلق النار على المصلين، ما أدى إلى استشهاد 29 فلسطينيا وجرح أكثر من مئة آخرين.

سلطات الاحتلال تمارس حربا نفسية لإشعال فتيل أزمة تكون هي بعيدة عنها، بين الفصائل الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى بين الفلسطينيين بمختلف توجهاتهم وبين الأردن باعتبارها الجهة الرسمية التي تتولى الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس بموجب وصاية هاشمية.

على أرض الواقع لا تعترف سلطات الاحتلال بأي تفاهمات على المسجد الأقصى، وهي تمعن في تنفيذ سياستها بـ التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، "حيث بدأت بالتقسيم الزماني خلال شهر رمضان من هذا العام"، وفق ما يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي لـ حسنى.

الحلم الصهيوني لابتلاع الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم على أرضه، لم يتوقف وتحاول سلطات الاحتلال تنفيذ مشروعها بمختلف السبل، ولكن ما يلجم هذا المشروع، هو تماسك الشعب الفلسطيني ودفاعه ومقاومته لمنع تسارعه، لا بل إفشاله، كما رأينا خلال شهر رمضان المبارك، وفقا للكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة.

ولا يرى الزعاترة أن المشروع الصهيوني لتقسيم المسجد الأقصى وتهويده، أنه يمكن أن يتحقق في القريب، إذ أن المشروع الصهيوني هو الذي يمضي نحو التراجع، وخاصة أن الشعب الفلسطيني يذهب نحو المزيد من التماسك والقوة.

يقر المحلل الإسرائيلي : أودي ديكل في مقال له بعنوان" المعركة على السيادة الفعلية في الحرم"، بتاريخ 10/5/ 2022، بأن أحداث شهر رمضان 2022 ، أوضحت أن القدس، لا سيما المسجد الأقصى وباحات الحرم، تحولت إلى بؤرة أساسية في النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين،" فازدادت  المواجهات بين قوات الأمن الإسرائيلية وبين الفلسطينيين في هذا المكان".

اللاعبون المؤثرون في قوة الأحداث في الحرم القدسي

يحدد الكاتب اليهودي ديكل - وهو الذي يتحدث بعقلية الاحتلال-  عددا من اللاعبين الذين يؤثرون في قوة الأحداث في الحرم القدسي وهم:

  • حركة المقاومة الإسلامية(حماس)، التي يرى أنها تعمل على ترسيخ مكانتها كحامية للمسجد الأقصى من خلال الادراك بأن التحريض حول الحرم سيزيد روح "المقاومة" في أوساط الفلسطينيين، وأن هناك جهات إسلامية انضمت اليها واستجابت لدعواتها وساهمت في ترسيخ صورتها وهي التي تسيطر على الأحداث في الحرم.
  •  الحركة الإسلامية - الجناح الشمالي، ويصفها بأنها نشيطة جدا في تنظيم أعمال الشغب في الحرم، وقامت بتنظيم رحلات إلى الحرم بمعدل 100 حافلة في اليوم في شهر رمضان.
  •  حزب التحرير الإسلامي، الذي يعمل أيضا ضد الأوقاف الإسلامية في القدس والسلطة الفلسطينية بتنسيق مع منظمة الشباب والطلاب التابعة لحماس، التي تنشط في الجامعات في الضفة الغربية، وأدخل الحزب في شهر رمضان مئات النشطاء إلى الحرم.
  • لجان التنسيق للأحياء العربية في شرقي القدس ومجموعات لشباب شرقي القدس، الذين وضعوا أمام أعينهم هدفا يتمثل بحماية المسجد الأقصى من المستوطنين ومن صلاة اليهود فيه.
  •  المرابطون برئاسة الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى.
  • مجموعات من الإسرائيليين الذين يريدون اثبات واسع للحضور والصلاة في الحرم، وجهات تستغل الأزمة السياسية في إسرائيل وتحاول دفع حزب القائمة العربية الموحدة( راعم)، إلى الانسحاب من الائتلاف بسبب الأحداث حول الحرم.

وهنا يريد أن يثبت الكاتب اليهودي أودي ديكل ،من خلال بعض المواقف أن حركة حماس تريد أن تعزز صورتها كحركة إسلامية تحمي القدس والمسجد الأقصى وذلك من خلال رفع أعلامها في الحرم  وإذكاء الدعوات للمصلين لمنع تقديم قرابين من قبل اليهود في الحرم؛ ومنع مسيرة الإعلام من الدخول إلى البلدة القديمة من منطقة باب العامود؛ وهي تريد "ضعضعة استقرار الحكومة الإسرائيلية وتبني أساليب الازعاج في الحرم، مثلما يحدث على حدود القطاع".

ويستشهد بدعوات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، إلى إنشاء جيش الأقصى، كجيش مشترك للفلسطينيين والأمة الإسلامية، ضمن استراتيجية نضال مستمر تؤدي إلى إنهاء سيادة إسرائيل في الحرم وفي القدس وبعد ذلك في كل فلسطين.

كما يعرض ديكل، دعوات رئيس حركة حماس في القطاع، يحيى السنوار، عندما قال في خطاب القاه في 30 نيسان بأن المعركة لن تنته عند انتهاء شهر رمضان، حيث امتدح عرب الداخل الذين هبوا للدفاع عن المسجد الأقصى، وأن حماس مستعدة للنضال الطويل من أجل منع رجال الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين من الدخول إلى الحرم، وعدم السماح بتقسيم الحرم بين اليهود والمسلمين.

أما بالنسبة للأردن رغم ان الكاتب يقر بمسؤولية العائلة الهاشمية بوصايتها على الأماكن المقدسة، ويتطرق إلى التفاهمات بين الأردن وسلطات الاحتلال، وخاصة اتفاق السلام مع "إسرائيل" الذي أكد على المكانة الخاصة للأردن في هذا المكان، وتمسك الحكومة الأردنية بالتفاهمات التي تسمى الوضع الراهن في الحرم الشريف ،" رغم أنها غير مكتوبة وليس لها أي أهمية قانونية"، من وجهة نظر الكاتب.

ويقول ديكل إن إسرائيل ومنذ العام 1967 حيث ترسخت تفاهمات ووجدت تسوية مؤقتة، منحت الأوقاف الأردنية صلاحية إدارة الصلاة والخطب والمناسبات والحفريات والصيانة والدراسة وقواعد السلوك في منطقة الحرم القدسي، أي أن مهمة الحماية مقسمة بين الأوقاف الأردنية، وشرطة الاحتلال المسؤولة عن حماية المكان بشكل شامل.

اليهود يريدون الصلاة في الحرم القدسي

الانعطاف الذي حدث في السنوات الأخيرة، تمثل في أن الكثير من اليهود يقومون بزيارة الحرم ويريدون حتى الصلاة في المكان رغم المنع، والأمر الثاني أن الأوقاف الأردنية، مثل السلطة الفلسطينية، ضعفت جدا وفقدت السيطرة على المكان، كما يصف ديكل، ويرى" أن الكثير من اللاعبين المتطرفين اقتحموا الفراغ الذي نشأ، وعلى رأسهم الحركة الإسلامية في الداخل".

وبالنسبة للكاتب اليهودي فإن أعمال التحريض خلال شهر رمضان– كما يصفها- حركت عمليات؛ قتل فيها 19 إسرائيليا، رغم ذلك نجحت "إسرائيل" في منع تدهور وتصعيد واسع في القدس وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة.

وإزاء ما حدث في المسجد الأقصى في شهر رمضان، فإن ما يصل اليه ديكل كالآتي:

  • رغم ارتفاع حجم الانتقادات العلنية لإسرائيل، لم يتم شرخ التعاون الاستراتيجي والأمني مع الدول العربية، والاهتمام العالمي لم يتم حرفه من الحرب في أوكرانيا إلى القدس.
  • إن "إسرائيل" أدارت معارك صد واستيعاب تكتيكية دون معرفة أن الأمر يتعلق بمعركة جديدة على السيادة في الحرم، ويقصد مواجهة جديدة مع لاعبين جدد ليس لهم أي انتماء تنظيمي.
  • إن "إسرائيل" سمحت بدخول شباب فلسطينيين وعرب من مواطني عام 48، رغم وجود دلائل تشير إلى نواياهم إحداث أعمال شغب، وأنها لم تعرض التسويات التي بلورتها مع الأردن عشية شهر رمضان، وأن الحكومة الإسرائيلية تجنبت المواجهة مع جهات سياسية   تريد تعزيز سيادة" إسرائيل " في الحرم بواسطة الحج والصلاة الجماعية لليهود، ويعتبر أن هذه إخفاقات للحكومة الإسرائيلية.
  • ولذلك فإن المطلوب من "إسرائيل" أن تعيد تنظيم نفسها قبل معركة للسيطرة في الحرم، بحيث تدرك أن الانفجار في هذا المكان سيزداد في أعقاب كل حادثة، سواء عيد أو ذكرى، ومطلوب من إسرائيل تقليص نشاطات الجهات التي تقوض الاستقرار، والفصل بينها وتحييدها، وهذه مسؤولية الأوقاف الأردنية، والسلطة الفلسطينية، التي أبعدتها "إسرائيل" عن القدس وعن الحرم، وهي ليس لها تأثير وغير قادرة على فرض النظام والهدوء ومواجهة الجهات التي لا تخضع لها .

  ما يريد أن يصل أودي ديكل هو التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، فالتسويات يجب أن ترتكز على إحلال الاستقرار والهدوء وحماية المصلين المسلمين في المسجد الأقصى واليهود في حائط البراق ، إلى جانب السماح بزيارة اليهود في الحرم في أوقات محددة، مع الالتزام بمنع صلاة اليهود. وإذا لم يتم التوصل إلى تفاهمات فعالة مع الأردن فيجب على" إسرائيل" أن تفحص منع مطلق لفترة قصيرة من الوصول إلى المكان، سواء للمسلمين أو اليهود.

ما يطرحه  ديكل، كمحلل إسرائيلي قريب من صنع القرار الإسرائيلي، أن الاحتلال من خلال ممارساته لا يعترف ولا يحترم أي اتفاقيات، فما حصل من ظروف في شهر رمضان كشف مواقف وتوجهات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وهي تمسكها في السيادة على الأماكن المقدسة في القدس، وأن الاتفاقيات والمواثيق الدولية بشأن السيادة أو الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس لا تتماشى مع التفكير العقائدي اليهود، وظهر ذلك بوضوح خلال شهر رمضان بعد مطالبات أن يأخذ الأردن دوره في حماية المقدسات في القدس، فقد أعلن رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت" إنه لا يوجد أي تغيير في الحرم القدسي الشريف وأن السيادة الإسرائيلية عليه مستمرة.

القرارات الخاصة بالحرم القدسي بيد الحكومة الإسرائيلية

وقال بينت "إن القرارات الخاصة بالحرم القدسي الشريف تتخذ على يد حكومة إسرائيل استنادا لاعتبارات السيادة وحرية العبادة والأمن وليس نتيجة ضغوط جهات غريبة أو سياسية".

وأشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى رفض طلب الأردن زيادة عدد حراس الوقف داخل الحرم القدسي الشريف، وأنه تم طرد ستة من هؤلاء في الأسابيع الأخيرة لكونهم من أنصار حركة المقاومة الإسلامية(حماس) وتم استبدالهم بـ 12 حارسا جديدا".

 وحسب ما نسب لمكتب رئاسة حكومة الاحتلال في 10 أيار/ مايو 2022 فقد رفضت قبل شهر من ذلك التاريخ طلب الأردن بزيادة عدد حراس الوقف في الحرم القدسي الشريف بـ 50 حارسا إضافيا.

الأردن: الاحتلال لا يملك أي سيادة على الحرم القدسي

وعلى إثر هذه التصريحات رد وزير الخارجية أيمن الصفدي، بقوله إن الاحتلال الإسرائيلي لا يملك أي سيادة على الحرم القدسي الشريف، وأن القدس هي أرضٌ فلسطينية محتلة.

وقال "إن أيّ محاولة لتغيير الوضعين التاريخي والقانوني في المقدسات الإسلامية والمسيحية هي لعبٌ بالنار، وتحدٍّ لمشاعر أكثر من مليار و200 مليون مسلم، ودفعٌ للمنطقة في اتجاه مزيد من التأزيم".

إن الاحتلال الإسرائيلي يتجاهل الحقائق التاريخية مع أنها حقائق دامغة مثبتة، فالوصاية الهاشمية على القدس ومقدساتها تعود إلى عام 1924، خلال فترة حكم الشريف الحسين بن علي، حيث تبرع حينها بمبلغ 24 ألف ليرة ذهبية؛ لإعمار المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي الشريف، وأُطلق على تلك الخطوة حينها، الإعمار الهاشمي الأول، ليتم بعدها مبايعته وصيا على القدس.

وفي عام 1950، أعلنت الأردن وفلسطين ما يعرف بـ"الوحدة بين الضفتين (الشرقية للأردن والغربية)"وظلت الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية، وشكلت في عام 1953 لجنة ملكية بموجب قانون خاص؛ لإعمار المقدسات الإسلامية في القدس، ومن انجازاتها إزالة آثار الحريق الذي تعرض له المسجد الأقصى في أغسطس/ آب عام 1969، وسميت تلك المرحلة بالإعمار الهاشمي الثاني وحتى بعد فك الارتباط عام 1988 تم استثناء القدس لتبقى تحت الرعاية الأردنية.

وفي عام 2002 ،واصل الملك عبدالله الثاني رعايته للمقدسات، ووضع اللوحة الزخرفية على جسم منبر صلاح الدين، بعد أن طاله حريق عام 1969، إلى جانب إجراء أعمال الترميم والصيانة، وتجديد فرش المسجد القبلي والصخرة المشرفة في المسجد الأقصى على نفقة الملك.

كما احتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية "وادي عربة" للسلام، التي وقعها مع الاحتلال عام 1994.

وتنص الفقرة الثانية في المادة 9 من ذات الاتفاقية بأن "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.

الرنتاوي: التقسيم الزماني للمسجد الأقصى حصل على أرض الواقع

الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي قال إن الأردن يتحدث عن رعاية ووصاية، وإسرائيل تدعي السيادة كقوة احتلال، وهي سيادة غير معترف بها بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومرجعيات عملية السلام.

كما أن الفلسطينيين لا يعترفون بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على القدس الشرقية ومن ضمنها الحرم، أيضا الأردن لا يعترف ولا العرب ومعظم دول العالم لا تعترف بذلك، وكذلك الإدارة الأميركية لا تعترف، لكن السيادة القائمة بقوة الاحتلال هي بالجانب الإسرائيلي حتى الآن وهي سيادة غير شرعية.

وأشار الرنتاوي لـ حسنى، وفيما يخص الرعاية جرى ذكرها في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994، ومن مدخل احترام الدور القائم للأردن في هذه الأماكن ولم ترد كلمة رعاية نصا بشكل واضح في هذا المجال، ولكنها وردت والوصاية والرعاية بشكل واضح في الاتفاق الذي أبرم بين الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في 31 /3 / 2013 بتفويض الأردن الاستمرار في دوره في الرعاية والحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس وبشكل خاص الحرم القدسي.

"وتنص الاتفاقية أنه بناء على دور الملك الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس وإعمارها منذ عام 1924، واستمرار هذا الدور بشكل متصل في ملك المملكة الأردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي حتى اليوم؛ وذلك انطلاقا من البيعة التي بموجبها انعقدت الوصاية على الأماكن المقدسة للشريف الحسين بن علي، والتي تأكدت بمبايعته في 11 آذار سنة 1924 من قبل أهل القدس وفلسطين؛ وقد آلت الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني ؛ بما في ذلك بطريركية الروم الأورثوذكس المقدسية التي تخضع للقانون الأردني رقم 27 لسنة 1958."

وأوضح الرنتاوي أن" إسرائيل" تعتبر الأقصى جزءا من القدس الشرقية وجزءا من العاصمة الأبدية لدولة الاحتلال وليس هناك طرف في إسرائيل يمكنه الدخول في تفاوض على مسألة التفاوض حول القدس الشرقية واخراجها من المعادلة، لافتا إلى أن حكومات اليمن واليمين المتطرف والحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية ترفض أي دور يتخطى الشكليات والبرتوكول فيما يخص الأقصى، لذلك فإن الأردن يجد صعوبة في إيجاد مهام للرعاية في المسجد الأقصى والمقدسات.

فرض التقسيم الزماني بالقوة

في شهر رمضان من العام الجاري كرست سابقة في التاريخ الإسرائيلي في التعامل مع المسجد الأقصى بفرض التقسيم الزماني بالقوة على الفلسطينيين، حيث كان يتم إخلاء المسجد من الساعة 8 إلى 11 صباحا من الفلسطينيين والمرابطين والمسلمين لتمكين اليهود من استباحة المسجد الأقصى، وبدأ في رمضان وحصل في أكثر من يوم حيث تم إخلاء المسجد وساحاته وتركها للمستوطنين.

وأكد الرنتاوي أن التقسم الزماني حصل فعلا، وله علاقة بالوقت، حيث تم تقسيم أوقات للمسلمين وأوقات لليهود، وهذا لم يقبل فلسطينيا فقاوموا وقدموا الشهداء والجرحى، ولكن إسرائيل بالقوة الغاشمة تمكنت من فرض تقسيم زماني ستستند إليه في قادم الأيام للقول إنه لا بد من إخلاء المسجد ليتمكن اليهود من أداء طقوسهم الدينية في ساحات المسجد، ويمكن أن تكون الخطوة الثانية التقسيم المكاني، حيث يتم خلق جدران كما هو الحال في الحرم الإبراهيمي والهدف النهائي من الطرف اليهودي من اليمين الديني والمتطرف، الخلاص من المسجد الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه إذا أتيح لهم، ولكن هذا الآن ليس في متناول اليد، لكن سيذهبون في هذا المشروع تدريجيا؛ فقد بدأت إسرائيل بالتقسيم الزماني ثم المكاني في السير بالطريق للتخلص من المسجد الأقصى هذه الصورة دون أي تجميل .

والسؤال هل يجد الفلسطينيون أو الأردن أو العرب الظروف المناسبة لمنع تلك  الأمور؟ والجواب أن ذلك يتعلق بميزان القوى، والأردن يجد صعوبة في ممارسة مقتضيات الرعاية ، "حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت اعتبر أن الأردن هو طرف أجنبي، وقال إن السيادة على الأقصى للإسرائيليين وهي ليس بحاجة لاستشارة أي طرف أجنبي فيما يخص المسجد، وهو تصريح في منتهي الوقاحة ولم يصدر مثله في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي"، وفق الرنتاوي.

وقال الرنتاوي نحن في مرحلة جديدة من التكالب الإسرائيلي لإحكام القبضة على المقدسات وعلى القدس والقدس الشرقية بما فيها المسجد الأقصى، حتى لو اضطر الأمر إلى الحاق الضرر بالرعاية الهاشمية على المقدسات.

ولا يستبعد الرنتاوي أن تسعى "إسرائيل" إلى استخدام مسالة الأقصى والرعاية كوسيلة لحفز أطراف عربية متكالبة على منافسة الأردن على القيام بدوره  في إطار سياسة تطبيعية في هذا المجال كأن تعرض هدايا لتحقيق هذا الغرض.

فالمطلوب الكثير الكثير من الأردن والفلسطينيين والعرب لمواجهة هذا الصلف الإسرائيلي ،بحيث تكون مواقفهم قوية.

الزعاترة : التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى غير ممكن

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ياسر الزعاترة قال لـ حسنى إنه ينبغي التذكير دائما وأبدا، أن قضية القدس والمسجد الأقصى، هي قضية إجماع في الكيان الصهيوني، فهم يرون (حسب بن غوريون) أن "لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل"، ومكان الهيكل المزعوم هو المسجد الأقصى ومحيطه.

وقال الزعاترة" لا وجود لسياسة ولا لإدانات ولا لضغوط يمكن أن تغير في قناعة الكيان بهذا الشأن..وقد تتغير وتيرة الفعل لبعض الوقت، لكن الهدف يبقى ثابتا".

وأضاف ..الشيء الوحيد الذي يلجم تسارع البرنامج الصهيوني المتدرّج لتهويد المسجد الأقصى هي المقاومة، أعني المضي نحو تنفيذ برنامج التقسيم الزمان والمكاني، على غرار ما حدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل.

 

وقال الزعاترة إنه منذ هبة البوابات الإلكترونية 2017، أثبت المقدسيون والمرابطون من فلسطينيي 48، ومن يتمكن من الوصول للقدس من الضفة الغربية أنهم وحدهم القادرون على ضرب أحلام الصهاينة في تسريع عملية التهويد للمسجد الأقصى، لكن ذلك يبقى قاصرا إذا لم تكن المقاومة حالة دائمة، وإذا لم تندلع انتفاضة شاملة في كل الأرض الفلسطينية، وهي الانتفاضة التي تحاربها سلطة عباس، ومقاولي التطبيع العرب، والعالم أجمع، لأنهم يدركون ما تعنيه لقضية فلسطين، ولكل المنطقة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت كان واضحا في تجاهل الوصاية الأردنية، وحديثه عن سيادة شاملة في القدس، وفق ما يقول الزعاترة ، الذي أكد أن المقاومة وحدها هي ما يلجم الرئيس الإسرائيلي ، لافتا إلى ما حصل من تراجعات خلال رمضان، بعد تهديد المقاومة في غزة بالتدخل، كما حدث العام الماضي في معركة "سيف القدس".

أما فيما يتعلق بمشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، فلا يرى الزعاترة أنه ممكنا في القريب، وما لم تحدث تطورات معاكسة، فإن المسار العام يقول إن المشروع الصهيوني هو الذي يمضي نحو التراجع، فيما يذهب الشعب الفلسطيني نحو مزيد من التماسك والقوة، لكن ذلك لا ينبغي أن يلفت الانتباه عن متابعة المخططات الصهيونية، ومنعها بقوة المقاومة، لا بمنطق الاستجداء.

المطلوب في هذه الفترة موقف عربي موحد وداعم للأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية، ردا  على التوجهات الإسرائيلي للاستجابة للمتطرفين اليهود، والأحزاب المتطرفة التي تحاول في كل انتخابات إحياء فكرة التقسيم الزماني والمكاني، والتي طرحها سابقا  اليمين الإسرائيلي بقيادة حزب الليكود تمهيدا لتهويد المسجد الأقصى.

ويقوم المخطط الإسرائيلي على تقسيم ساحات الأقصى زمانيا بين الفلسطينيين والمحتلين من خلال تخصيص أوقات معينة لدخول المسلمين إلى المسجد الأقصى وأخرى لدخول اليهود، وفي إطار مرحلة أولية يتبعها تقسيم مكاني، ثم السيطرة الكاملة عليه لاحقا، وتغيير هويته ببناء ما يسمى ب"الهيكل الثالث" مكان قبة الصخرة.

وعملت سلطات الاحتلال لتنفيذ مخططها على تحديد طرق ومسارات خاصة باليهود وتشديد الرقابة على بوابات الأقصى للتمهيد للتقسيم المكاني، الذي يشمل كذلك بسط السيطرة بالقوة على جميع الساحات الخارجية للمسجد الأقصى.

وكشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث عن وثيقة وخارطة بتاريخ  22 تشرين الأول /أكتوبر 2013: "لقونَنة" تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا بكامل تفاصيلها، وأعدها ناشطون من حزب الليكود يُطلقون على أنفسهم اسم "منهيجوت يهوديت" (أو قيادة يهودية)، يتزعّمهم موشيه فيجلين نائب رئيس الكنيست آنذاك، ومن خلال الوثيقة التي تحمل اسم  "مشروع قانون ونُظم للمحافظة على جبل الهيكل مكانا مقدّسا"، يُحدد الجامع القبلي المسقوف هو فقط المسجد الأقصى (وفيه فقط تؤدّى الصلوات الإسلامية)، ويقتطع منه الجزء الموجود في أقصى الجهة الجنوبية خلف المحراب الجنوبي.

أما مساحة صحن قبّة الصخرة كاملة والجهة الشرقية منه مكان مقدّس يهودي خالص، فيما خمس مساحة المسجد هي للصّلوات اليهودية بالأدوات المقدّسة أحيانا فردية وأخرى جماعية.

المطلوب أيضا من كل الأطراف أردنيا وفلسطينيا على المستوى الرسمي والشعبي، فهناك هيئات إسلامية في القدس وفلسطين مؤثرة، وبدعم من اللجان العربية الفاعلة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، يمكنها أن تعمل بشكل موحد للوقوف بوجه المخططات الإسرائيلية التي تسعى إلى تفتيتها ومحاولة إثارة النزاعات فيما بينها، وذلك لمنع إسرائيل من تنفيذ مخططاتها والانفراد في أي قرارات تمنحها السيادة على المقدسات.

دلالات
00:00:00