لماذا يجب الحديث عن الحريات عند التطرق إلى مشروع قانون الجرائم الإلكترونية؟

الصورة

بقلم ليث أبو نواس | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

آخر تحديث

تنص (المادة 3) من قانون العقوبات رقم 16 لعام 1960 وتعديلاته، أن: 

"لا جريمة إلا بنص ولا يقضى بأي عقوبة أو تدبير لـم ينص القانون عليهما حين اقتراف الجريمة، وتعتبر الجريمة تامة إذا تمت أفعال تنفيذها دون النظر إلى وقت حصول النتيجة". 

يفهم من هذا القانون المرجعي، أن العقوبات يجب أن لا تصدر إلا اذا ورد نص قانون صريح يحكم ويضبط تعريف وعناصر الجريمة، ويجب أن تكون النصوص صادرة حين اقتراف الجريمة حتى تقع العقوبة، وبالتالي لا يجوز تطبيق العقوبات بأثر رجعي على أفعال تم ارتكابها قبل صدور نصوص القانون الحاكم. فكيف نفهم قانون الجرائم الإلكترونية ضمن هذا الإطار؟ 

لماذا تم إقرار قانون الجرائم الإلكترونية؟ 

ولتحقيق الأطر القانونية اللازمة والاستجابة التشريعية أمام ثورة الإعلام وتكنولوجيا المعلومات، تم إقرار قانون الجرائم الإلكترونية وإصداره في الجريدة الرسمية تحت مسمى قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015، المنشور على الصفحة 5631 من عدد الجريدة الرسمية رقم 5343 بتاريخ 1/6/2015، والمكون من 18 مادة. 

ولهذا الغرض، أنشأت مديرية الأمن العام عام 2015 وحدة متخصصة باسم وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية تختص بمعالجة جميع أشكال الجرائم الإلكترونية. وتم إقرار القانون المعدل رقم 27 لسنة 2017 بتغليظ عدد من العقوبات الواردة في القانون الأصلي.

التداعيات السلبية لثورة المعلومات 

تجدر الإشارة إلى أن ثورة المعلومات والإعلام الالكتروني قد حملت تأثيرات إيجابية كبيرة في وصول المعلومات وفتح الأطر للتعبير عن الآراء ومناقشة المواضيع، إلا أنها قد شهدت كذلك بعض التداعيات السلبية، كما وصفتها منظمة الأمم المتحدة المعنية بالمخدرات والجريمة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

"لاسيَّما تلك التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحفل بالعديد من الأنشطة التي يمكن إدراجها تحت مسمى الأفعال الإجرامية. فاستخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية على نطاق واسع، بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى الإنترنت ورغبة الشباب في المعرفة وشعورهم بالفضول في العديد من المناسبات أدى إلى استغلال شبكات الجريمة المنظمة لهم. علاوةً على ذلك، فقد استخدمت العديد من الجماعات الإرهابية الإنترنت كوسيلة لتجنيد أعضاء جدد، وطرح أيديولوجياتهم المتطرفة العنيفة". 

طرحت الحكومات السابقة مشروع المعدل على قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 وقانونه المعدل لسنة 2017 مسبقا، معللة الحاجة إلى مواكبة التطورات الحاصلة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، ودخول تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتطور أساليب الاحتيال والجريمة باستخدام أدوات الفضاء الإلكتروني، ولكن تم رد هذه التعديلات من مجلس النواب بالإجماع في نهاية عام 2018، حيث رأى النواب في مداخلاتهم أن القانون المعدل يفرض قيودا على حرية الرأي.

انتقادات منظمات حقوقية لمشروع قانون الجرائم الإلكترونية

وطال المشروع المعدل وقتها انتقادات واسعة لمنظمات حقوقية، كمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان لها عام 2019: 

"التعديلات المقترحة على قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 في الأردن، من شأنها أن تقيد بشكل مفرط حرية التعبير عن طريق فرض عقوبات جنائية على نشر (أخبار كاذبة) أو المشاركة في (خطاب الكراهية) على الإنترنت". 

وانتقدت المنظمة استخدام مصطلحات فضفاضة ومفاهيم مبهمة جديدة مثل "الأخبار الكاذبة" أو "الإشاعة" أو "خطاب الكراهية". واعتبرت أن استخدام مثل هكذا مفاهيم مبهمة، من شأنه أن يكبح التعبير عبر الإنترنت. 

واليوم، تقدم الحكومة المشروع المعدل لقانون 2015، ليشمل 41 مادة تحل محل قانون 2015، ودون تقديم أي معالجة صريحة للملاحظات السابقة، حيث لم تطلع الحكومة العامة على بنود التعديلات إلا عندما وصلت نسخته إلى مجلس النواب قبل أيام قليلة من عقد دورته الاستثنائية مطلع هذا الأسبوع. 

القانون يحمل مصطلحات مبهمة غير معرفة 

ويتضح للناظر بعد الاطلاع على هذه البنود، كما تم نشرها في محضر مجلس النواب، أن المشرع لم يطرح مفهوم الجريمة الإلكترونية ولم يضبط عناصرها بما ينسجم مع أساسيات الجريمة الواردة في قانون العقوبات المرجعي آنف الذكر. 

بل جاءت التعديلات لإضافة عقوبات جديدة وتغليظ عقوبات أخرى سيتم التطرق لها في هذا المقال لاحقا. الأمر الذي يثير التساؤل حول نجاعة هذه التعديلات في رسم الأطر القانونية لتحقيق غايات المشرع كما تم ذكرها في الأسباب الموجبة لهذا التعديل، ومنها الفقرة الأول والتي ذكرت: 

 "نظرا للتطور السريع في مجال تقنية المعلومات الذي استوجب تجريم بعض الأفعال التي تتم بوسائل إلكترونية ومعاقبة مرتكبيها تحقيقا للردع العام والخاص". 

من 18 مادة في قانون 2015 وتعديلاته في عام 2017 إلى 41 مادة في القانون الجديد

عند النظر في عدد المواد الجديدة التي أضيفت إلى القانون الجديد، نجد أن هناك ما يقارب 23 مادة جديدة تعالج نظريا، خللا أو نقصا تشريعيا أو ثغرات وجدت في القانون القديم. ولكن الناظر في المواضيع التي تعالجها المواد والتعديلات الجديدة يجد الملاحظات السريعة التالية: 

  • مضاعفة الغرامات المالية في معظم العقوبات المنصوصة في القانون المعدل مع عدم المساس في عقوبات الحبس، مع استمرار الربط بين العقوبتين في معظم المواد. الامر الذي كان محل انتقاد سابقا، وخاصة إلى اعتماد عقوبة سالبة للحرية، كالحبس، مع عقوبة مالية بغرامة مضاعفة. 

  • تخصيص (المادة 4)بصياغة جديدة متعلقة بنفس الجرم المذكور في (المادة 3)، ولكن بتخصيص الهدف نحو الوزارات، الدوائر الحكومية، المؤسسات الرسمية العامة، المؤسسات العامة، أو الأمنية، أو المالية، أو المصرفية، الشركات التي تملكها أو تساهم بها أي من تلك الجهات، أو البنى التحتية الحرجة، ومضاعفة الغرامات المالية. 

  • تخصيص مادة منفصلة (مادة رقم 5 من القانون المعدل الجديد) لحالات انتحال الشخصية إلكترونيا، الأمر الذي كان مذكورا بتفصيل في المواد ( 3/ج و4) من القانون القديم. ونجد أن الإضافة في القانون الجديد هي تحديد شبكات التواصل الاجتماعي بشكل منفصل. 

  • إضافة فعل "تشفير البيانات" والذي ليس مصرحا به في معظم البنود والعقوبات في مشروع القانون المعدل الجديد. 

  • إضافة فعل "تسجيل البيانات قصدا" في (المادة 7) من مشروع القانون الجديد، ومضاعفة الغرامة الواقعة عليها. 

  • إضافة (المادة 10)، و المتعلقة بانتحال صفة غير صحيحة، أو الاحتيال عن طريق إحدى وسائل تقنية المعلومات. 

  • إضافة (المادة 12) بتجريم التحايل على العنوان البروتوكولي باستخدام عنوان وهمي أو عنوان عائد للغير بأي وسيلة أخرى، بقصد ارتكاب جريمة أو الحيلولة دون اكتشافها. 

    وهنا يصعب تطبيق هذا القانون، حيث أن تقنيات حجب وتغيير العنوان البروتوكولي كتقنيات الـVPN تعمل في الأردن ضمن نطاق معلومات مشفر، ويصعب معرفة الأهداف والاستخدامات التي يمارسها الفرد عند استخدام هذه التقنيات، فهل تجريم التحايل على العنوان البروتوكولي سوف يعني حكما إيقاف وحجم خدمات ال VPN؟ الأمر الذي يعتبر مساسا في حق الفرد بحماية خصوصية معلوماته وبياناته وهويته الرقمية، حيث أن تقنيات الـVPN تعتبر من الممارسات الفضلى في حماية خصوصية البيانات وزيادة الأمان في التواجد الإلكتروني. والدول التي تحجب هذه التقنية هي دول مثل الصين، روسيا، تركيا و الإمارات العربية المتحدة. 

  • حصر القانون المعدل للملاحقة القانونية في الجرائم المتعلقة بترويج الدعارة على شكوى المجني عليه الذي أكمل الثامنة عشرة من عمره، وتسقط دعوى الحق العام بصفح المجني عليه. كما ذكر في (المادة 13-أ-1 و 13- أ-2) من مشروع القانون. وتكون الملاحقة القانونية دون شكوى نحو الأفعال التي تهدف إلى التوجيه أو التحريض على ارتكاب جريمة أو بقصد الاستغلال الجنسي في (المادة 13-أ-3). وقد عالجت النقاط (ب، و، ج) من نفس المادة حالات الأحداث وفاقدي الصحة العقلية، ولكنها لم تتحدث عن الملاحقة القانونية. 

  • إضافة (المادة 15) المتعلقة بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية والتي تنطوي على معلومات كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير أي شخص. وهنا تكمن الإضافة في ذكر مصطلح "معلومات الكاذبة" والذي واجه انتقادا واسعا سابقا بحكم غياب وضوح المعنى والمعايير التي سوف يتم الاحتكام لها. 

  • إضافة (المادة 17)، والمتعلقة بإثارة النعرات والفتنة والنيل من الوحدة الوطنية، أو الحض على الكراهية، أو الدعوة إلى العنف، أو ازدراء الأديان. وهنا نجد أن القانون ذكر هذه المصطلحات الفضفاضة مثل، "الكراهية" و "النيل من الوحدة الوطنية" أو "العنف" أو ازدراء الأديان" دون توضيح المقصد أو ضبط المؤشرات المعتمدة للحكم على الأفعال بأنها تقع ضمن حدود النقد والتعبير السلمي عن الرأي، بحيث يمكن إساءة استخدام هذه المصطلحات المموهة في كبح حريات التعبير السلمي في الفضاء الإلكتروني. 

  • إضافة (المادة 20)، والتي تستخدم أيضا مصطلحا مبهما غير واضح، وهو "محتوى غير قانوني أو أخبار زائفة". وهنا يفتح المشرع القانون على مصراعيه، حيث أن أبواب إساءة استخدام هذه المادة واسعة، وتضع حرية التعبير السلمي والنقد البناء وإبداء الآراء والخبرات والاجتهاد في العمل العام والعمل الصحفي؛ تحت قيود غير واضحة المعالم.

الخاتمة

وإنني أظن أن الوقوف على الملاحظات السابقة وحدها يجعلنا نشعر بضرورة رد مشروع القانون المعدل؛ فالملاحظات والانتقاد طالت تقريبا نصف المواد التي تم إضافتها إن لم يكن أكثر. 

فلو كانت التعديلات الجديدة فعلا تقف عند التغيرات والإضافات الإيجابية؛ كإضافة الجرائم المتعلقة بانتحال الشخصيات، واغتيال الشخصيات، والإساءة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتفصيل في عمليات الاحتيال المالي، وتجريم ممارسات الاحتيال المالي على مواقع التواصل الاجتماعي، لكان الأمر حسنا وفقط. 

ولكنني لا أجد المبرر للمساس في الحريات والحقوق التي كفلها الدستور الأردني، فالمواد ( 20 و17 و15 و12) وحدها تحمل من الشبهات واستخدام العبارات المبهمة غير واضحة المقصد والهدف، ولا تتماشى مع الأسباب الموجبة لتعديل القانون التي تم ذكرها في بداية المقال. وكل ذلك يبث التساؤل حول الحقيقة الكامنة وراء هذه المواد، والغايات التي لا يبدو أن الحكومة ترغب في الإفصاح عنها.

الأكثر قراءة
00:00:00