قانون الجرائم الإلكترونية: بين معارض.. ومعارض

الصورة
مجلس النواب | Husna Images
مجلس النواب | Husna Images
آخر تحديث

واجه قانون الجرائم الإلكترونية منذ خروجه إلى الإعلام موجة واسعة من الانتقادات التي طالت مضمونه والآلية التي انتهجتها الحكومة لإصداره منذ بدايته، والسرية التي أحاطت بصياغته وحتى وصوله إلى طاولة اللجنة القانونية في مجلس النواب التاسع عشر. 

غياب للتشاور وتغليظ في العقوبات 

لدى قراءته الأولية للقانون، قال خبير الجرائم الإلكترونية يحيى شقير، في حديث خاص لـ حسنى، إن قانون العقوبات الذي عرضته الحكومة على مجلس النواب تم إقراره دون أدنى تشاور مع منظمات المجتمع والصحفيين، رغم أنه قانون "عقابي" يؤثر على كل الأردنيين في حرية التعبير وليس فقط الصحفيين. 

وأشار شقير إلى ما حدث في نهاية عام 2019، فيما يتعلق بمشروع القانون المعدل، والذي سحبته الحكومة بناء على نصيحة من مجلس النواب للتشاور فيه مع نقابة الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، وبعد ذلك أعادت القانون إلى مجلس النواب دون أي مشاورات، ما اعتبره مجلس النواب "إهانة"، ثم تم سحب القانون. 

وأضاف شقير بأن الحكومة "لم تتعلم الدرس"، بدليل أن النواب اعترضوا آنذاك على تعريف خطاب الكراهية في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية المعدل، الذي كان مطابقا لـ (المادة 151) من قانون العقوبات، وهو ما تم إعادته في (المادة 17) في مشروع القانون الجديد وقاموا بتغليظ العقوبات فيها، فبعد أن كانت 500 دينار بقانون العقوبات من العام 1960، أصبحت 25 ألف دينار بحدها الأدنى وتصل إلى 50 ألفاً في حدها الأعلى. 

وأضاف شقير بأن (المادة 11) من القانون القديم كانت تعاقب على القدح والذم والتحقير، ويجوز فيها التوقيف. ومع أن نقابة الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني وقفت ضد هذه المادة آنذاك، قام القانون الجديد بإعادتها وزيادة العقوبات عليها لتتراوح ما بين 20 و40 ألف دينار أردني. كما تضمن القانون الجديد في معظم نصوصه أحكاما بالسجن والغرامة معاً، بعكس القانون السابق الذي كان يكتفي بإحدى العقوبتين. 

وحول (المادة 20) من القانون، والتي تنص على أن "كل من نشر محتوى غير قانوني أو أخبار زائفة"، أشار شقير إلى أن اليونيسكو لا تعترف بكلمة أخبار زائفة، لأنها قد تقع نتيجة لقلة المعلومات أو فهما خطأً. إلا أن قانون العقوبات الأردني لعام 1960 عرّف الأخبار الكاذبة على أنها "كل من نشر في الخارج أخبار كاذبة وقت وقوع الحرب أو توقعها". 

وأكد شقير أن مضمون (المادة 16) من القانون من شأنه وقف سلطة الصحافة الرابعة. 

المادة 16 : كل من أشاع أو عزا أو نسّب قصدا دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك عن طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو الموقع الإلكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي أفعالا من شأنها اغتيال الشخصية يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين ألف دينار ولا تزيد على خمسين ألف دينار. 

وأنهى شقير حديثه بالتأكيد على أن مرور قانون الجرائم الإلكترونية سيدفع الأردن لأن يكون للمرة الثانية في تاريخه من أعداء حرية الصحافة العشرة حسب التصنيف السنوي لشبكة مراسلون بلا حدود. 

السعايدة: مجابهة قانون الجرائم الإلكترونية يكون من خلال موقف وطني 

أكد نقيب الصحفيين الأردنيين، راكان السعايدة، أن قانون الجرائم الإلكترونية لم يُعرض على النقابة ولا على أي جهة ذات صلة، وأن القانون يهم عمل النقابة لاشتماله على جزئيات تخص الجسم الصحفي الإعلامي. 

وأضاف في حديثه لـ حسنى أن عدم مناقشة القانون مع النقابة لا يعني أن تتخلى عن دورها في الاشتباك مع هذا المشروع لإحداث التغيير المطلوب في بنيته بما يضمن الحفاظ على قيمة الحرية والإعلام، والدور المناط بجميع وسائل الإعلام. 

وأعرب السعايدة عن أمله بأن يكون دور مجلس النواب أقوى "برد القانون"، كما أنه "يراهن" على أن اللجنة القانونية في المجلس ستحدث التغيير المطلوب في بنية القانون للحفاظ على قيمة الحرية وصورة الأردن الخارجية، ومكانه على المؤشرات العالمية للحريات العامة بشكل عام، وفي مجال الحرية الصحفية بشكل خاص. 

والقانون يمس كل أشكال الحريات العامة في الأردن، وبالتالي فإن "مجابهته والتصدي له تكون من خلال موقف وطني وجهد مشترك من كل القوى المعنية من نقابات وأحزاب، خصوصاً فيما يتعلق منه بمواقع التواصل الاجتماعي" على حد قول السعايدة، الذي بدروه دعا إلى بناء شراكة مع كل القوى الفاعلة المعنية بمنظومة الحريات العامة بما فيها الحريات الإعلامية الصحفية، وذلك بهدف دفع مجلس النواب واللجنة القانونية المحال إليها القانون لمناقشته بشكل موسع بما يحفظ قيمة الحرية ويحميها ويحفظ الأشخاص والمؤسسات. لافتاً إلى أهمية نقاش القانون بتوازن دون قيود أو استغلال للنصوص لتقييد الفضاء العام والحريات العامة. 

وأوضح السعايدة أن مجلس النقابة سيطلب من المستشار القانوني وضع "مطالبة قانونية تفصيلية" بملاحظات النقابة على مجمل القانون كقيمة عامة، وبشكل خاص على النصوص التي تمس بحرية الإعلام والصحافة لمشاركتها مع مختلف القوى الوطنية على مستوى مجلس النواب والأعيان. 

إجماع حزبي بتغول القانون على حرية الرأي ومبالغته في العقوبات 

حزب العمال الأردني 

أمين عام حزب العمال الأردني، الدكتورة رولا الحروب، وصفت المشروع بأنه "في منتهى الكارثية"، لاشتماله على جرائم جديدة لم يوضع لها تعريف في القانون وليس لها تعريف في أي قانون آخر، بما في ذلك قانون العقوبات. ما يعني أن باب الاجتهاد في مجال تعريف نطاق الجرم سيكون متروكاً للقضاة، معتبرة ذلك "خللاً تشريعياً كبيراً" إضافة إلى أن العقوبات "غير طبيعية ولا نظير لها في أي مكان في العالم، إذ إن عقوبة تصل إلى 50 ألف دينار لمجرد التعبير عن رأي، يعد أمرًا خطيراً جديداً وتكميما للأفواه. 

وتضيف الحروب بأن منح المدعي العام صلاحية تحريك الشكوى دون شكوى حق شخصي ضد أي شخص كان، وإعطاءه صلاحية مصادرة كل الأدوات التي ارتكبت بها ما يسمى بـ "الجريمة"، يدخل أيضاً ضمن سياسة تكميم الأفواه. 

وأشارت الحروب إلى وجود مخالفات دستورية في القانون، فهو يخالف (المادة 128) من الدستور الأردني، والتي تقول إن القوانين التي تصدر استناداً إلى هذا الدستور ينبغي أن لا تفرغ الحقوق والحريات من محتواها. 

وذهبت الحروب إلى أن القانون ليس له نظير في العالم، وأن خلفه أشخاص "يريدون منع الشعب الأردني من انتقادهم"، ما يتناقض مع منظومة الحريات والتحديث السياسي، ومع الزعم بإعطاء الحرية للأحزاب للعمل. 

وسيدعو حزب العمال إلى جبهة وطنية تتشكل ضد هذا القانون، حسب الحروب، التي عبرت عن أسفها لإحالة القانون إلى اللجنة القانونية في مجلس النواب دون مناقشات، وأضافت: "هذا المجلس لا علاقة له بطموحات الأردنيين ولا يستحق أن يمثل الشعب الأردني". 

حزب الشعب الديموقراطي الأردني 

بدورها، الأمين العام الأول لحزب الشعب الديموقراطي الأردني، عبلة أبو علبة، يتضح أن هنالك تضييقا على الطرف الآخر، وأنها تخشى من التذرع بهذه المواد الجديدة من أجل إحباط كل ما من شأنه أن يقدم رأياً آخر مخالفاً لرأي الحكومة في أي موضوع، وقدمته الحكومة دون الرجوع لأي جهة رغم مساسه بالحريات العامة ويفترض إعادة النظر فيه. 

حزب جبهة العمل الإسلامي

وفي الاتجاه الإسلامي، قال أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي، المهندس مراد العضايلة، إن هذا القانون "مفاجئ وصادم" بحجم القيود والتضييقات والعقوبات التي نص عليها، وهو مؤشر على تراجع منظومة الحريات العامة وحقوق الإنسان في الأردن، ويعد مؤشراً على "ضيق الحكومة الحالية بالنقد من قبل الرأي العام" بعد أن أصبح الرأي العام من أدوات الضغط على الحكومة. وهي تريد أن تقتص من الناس بهذا القانون. 

وأضاف العضايلة لـ حسنى "نحن نعتقد أن هذا القانون وصمة عار على جبين هذه الحكومة، وعليها سحبه من مجلس النواب وإعادة صياغته"، فحسب العضايلة من غير المعقول أن تضع الحكومة عقوبة مالية تعادل ضعفي دية القتل الخطأ. كما لفت إلى أن الجمع بين عقوبتي الحبس والغرامة يقصد به تكميم أفواه الناس، حيث أن أي معلومة ترد للصحفي بالخطأ يمكن اعتبارها معلومة كاذبة، وبالتالي يمكن تجريمه وعقابه عليها. 

وخلص العضايلة إلى أن هذا القانون يعد "ردة على الإصلاح"، ومن الرشد أن تسحب الحكومة هذا القانون، وأن تفتح الحوار مع الناس. 

حزب إرادة

وحدد أمين عام حزب إرادة، نضال البطاينة، الصورة التي يجب أن يتضمنها قانون الجرائم الإلكترونية، بأن تكون ضمن إطار يوائم بين الحريات والتعبير عن الرأي، وبين عدم الذهاب إلى اغتيال الشخصيات وبث الشائعات غير المدعمة بالأدلة، كما يجب أن يكون عصرياً وموائماً، بشكل لا يمنع الأشخاص من التعبير عن آرائهم في مسألة ما، كما لا يسمح بالنيل من هيبة الدولة والإساءة إلى الإشخاص واغتيال شخصياتهم دون أدلة.

شخصيات ذكرت في هذا المقال
00:00:00