فار من وجه الوطن

الصورة
مهاجرون غير شرعيين يسيرون باتجاه الحدود الأمريكية
مهاجرون غير شرعيين يسيرون باتجاه الحدود الأمريكية

اجتاحت القرى والبوادي الأردنية وخاصة المناطق الشمالية موجة من الهجرة غير الشرعية إلى أمريكا الشمالية، وتشير التقديرات إلى أن عدد المهاجرين وصل إلى عشرات الآلاف في عام 2023 و2024. والفئة المهاجرة في الغالب من الفئة العمرية ما بين نهاية العشرينات ومنتصف الثلاثينات، معظم هؤلاء من الشباب الجامعي والعاطلين عن العمل. 

الفقر والبطالة وراء الهجرة غير الشرعية

حالة الانسداد في الأفق الاقتصادي وانتشار البطالة التي بلغت 21.4% والفقر المرافق لها والذي بلغ 40% هو ما دفع الشباب إلى الهجرة غير الشرعية والفرار من وجه الوطن، فكل خطط التنمية الحكومية النظرية، وكل ورش العمل والمؤتمرات والحديث عن تشجيع الاستثمار وجلب رأس المال، وتشجيع السياحة لم يغير شيئا على أرض الواقع وبقي الشباب يتقلب على أوجاع الحرمان وهم يرون مستقبلهم يتفلت من بين أيديهم كما يتفلت الماء من أكف الرجال. 

رحلة بين الجو والبر والتهريب والخطف

رحلة الهجرة إلى بلد الأحلام أو بلاد السمن والعسل كما يسميها الشباب الفار من وجه الوطن رحلة محفوفة بالمخاطر والتكلفة المالية الباهظة مقارنة بمستوى حياة الناس ومستوى معيشتهم، إذ بلغ متوسط التكلفة بين 12 إلى 16 ألف دولار مما اضطر الأهالي إلى بيع ممتلكاتهم الرئيسية من أرض ومواشي وحتى أن بعضهم باع مصاغ ومجوهرات أمهاتهم وزوجاتهم للذهاب في رحلة محفوفة بالمخاطر على الحياة، يمكن ترتيبها بالتسلسل الآتي: 

  1. السفر إلى بريطانيا بفيزا سياحية.

  2. السفر جوا إلى كولومبيا أول محطة في أمريكا الجنوبية ومن ثم إلى بنما وإلى نيكاراجوا.

  3. تبدأ رحلة البر بشكل رسمي ومشروع عبر هندوراس وجواتيمالا.

  4. الدخول إلى المكسيك بشكل غير شرعي "تهريب" بقطع نهر صغير بالقارب المطاطي وتبدأ رحلة البر داخل المكسيك بالتهريب والتخفي، إذ يقطع المهاجر أكثر من 24 ساعة في سيارات الشحن "البرادات" أو شاحنات المواشي لمسافة تزيد على 1200 كيلو حتى يصلوا إلى مدينة مكسيكو وقد تعرض بعض الشباب من المهاجرين إلى خطف من قبل العصابات، التي طالبت بدفع فدية بين 1000 إلى 5000 دولار.

  5. السفر عبر الطيران إلى مدينة تيجوانا المنطقة المتاخمة للحدودية مع أمريكا الشمالية ليتسلق المهاجر الأردني بعد ذلك السور الفاصل بين المكسيك وأمريكا، وهو سور يبلغ ارتفاعه أكثر من 8 أمتار ويكلف الصعود على السلم الحديدي الذي توفره عصابات التهريب مبلغ 300 دولار، وخلال الصعود يتعرض بعض الشباب إلى كسور أثناء القفز وبعضهم يتعرض إلى إصابات بليغة يدخل المستشفى على أثرها لعدة أيام.

دور الحكومة في ملف الهجرة غير الشرعية اقتصر على مطاردة سماسرة التهريب

مارست الحكومة دور اللامبالاة المفرطة اتجاه هذا الملف، وكل ما قامت به هو محاولة مطاردة سماسرة التهريب وتحويلهم للقضاء بتهمة الاتجار بالبشر، دون أن تذهب إلى معالجة الأسباب التي عجزت كل الحكومات المتعاقبة عن معالجتها خلال الربع الماضي من القرن حتى استحكمت تلك المشكلات واستعصى حلها، وأصبح الأردن أرض الفقر والبطالة كمرض الطاعون الذي تفر منه الأجيال الشابة إلى مستقبل يتمتع بالصحة والعافية الاقتصادية، مستقبل يجدوا به ذاتهم ويحققوا أحلامهم وطموحاتهم ويعبروا نحو الاستقرار والحياة الكريمة. 

كل حملات الوعظ الإعلامي الباردة ومحاولات التخويف والتزهيد التي مارستها الحكومة لثني الشباب عن الهجرة كانت تتبخر ويلقى بها في عرض الحائط والشباب الأردني المحروم يشاهد بعض أقرانهم ممن وصل إلى أمريكا وهم يباشرون أعمالهم بدخل متوسط ما بين 10 إلى 16 دولارا بالساعة ويصل دخل الواحد منهم ممن يعمل 16 ساعة باليوم إلى أكثر من 6000 دولار بالشهر، في الوقت الذي كان الواحد منهم يستجدي ثمن مصروفه اليومي وثمن دخانه من أبيه وما يرافق ذلك من ضنك في المعاش وخلاف داخل الأسرة بعد أن أنفق الأهل كل ما يملكون في سبيل تعليم وتحسين فرص ابنهم في سوق العمل. 

موجة جديدة من الهجرة إلى أمريكا سوف تضرب القرى والمدن الأردنية

قد يكون للإجراءات الأمريكية قبيل الانتخابات الرئاسية وما رافقها من جدل حول الهجرة غير الشرعية دور في عرقلة هجرة الشباب الأردني إلى أمريكا والحد من إقبالهم عليها، لكن في الوقت الذي تفوز به المرشحة الرئاسية هاريس المعروفة بدعمها للمهاجرين فإن موجة جديدة من الهجرة إلى أمريكا سوف تضرب القرى والمدن الأردنية خاصة في ظل التوجه الأمريكي لتوطين الصناعات الحديثة داخل أمريكا بسبب صراعها الحاد على حالة التفوق الاقتصادي مع الصين وما يحتاجه ذلك من أيدي عاملة رخيصة مقارنة بما يتقاضاه الأمريكي مثل صناعة السيارات الكهربائية والصناعات التكنولوجية. 

المواعظ الحكومية الباردة المنفصلة عن الواقع لن تقنع الشباب وهم يرون مستقبلهم يموت بين أيديهم، كما أن الفقر والبطالة إذا لم تتم معالجتها بشيء يلمسه الشباب في حياتهم العملية سوف يتم تفريغ القرى والبوادي من شبابها ونخبها المتعلمة وتقطف الهجرة غير الشرعية زهرة الشباب وتهديهم لأمريكا فتتعمق المشكلة الأردنية ويصبح الوطن فقيرا في الكوادر والكفاءات كما حصل في إفريقيا عند اكتشاف أمريكا وما رافق ذلك من تفريغها من سكانها ونقلهم إلى أمريكا بالقوة والجبر. 

ما دام هناك فقر وبطالة وما دام هناك شعور بالظلم وعدم وجود العدالة الاجتماعية والشعور بالطبقية والفساد والواسطة والمحسوبية في المجتمع فلن تستطيع الحكومات المحافظة على الشباب والكفاءات الأردنية ومنع الهجرة في الشتاء القادم تحت أي ظرف إلا إذا تحولت الحكومة إلى حكومة شمولية وأغلقت الحدود ومنعت السفر كما تفعل كوريا الشمالية، أو أقنعت الشباب بشيء ملموس على أرض الواقع بأن المستقبل أفضل وأننا نسير على طريق الخلاص. 

اقرأ المزيد.. هل الهجرة إلى الغرب هي الحل؟

الأكثر قراءة
00:00:00