قانوني، كاتب
حوار هادئ حول قانون حقوق الطفل
بعد جدل كبير حول مشروع قانون حقوق الطفل الذي قدمته الحكومة إلى مجلس النواب نتناول في هذا المقال حوارا هادئا لهذا القانون بعيدا عن التشكيك والتوجس وبعيدا عن الفوقية في طرح القانون.
لا يمكن قراءة قانون حقوق الطفل مجتزءا
القوانين ليست معادلات ومسلمات رياضية، كما لا يمكن قراءة القانون على مبدأ الاجتزاء ولا الفهم غير المختص للنصوص، فالقواعد التي تحكم فهم النصوص مختلفة لا يتسع المجال لشرحها مثل العام والخاص المطلق المقيد السابق واللاحق.. إلخ، لذلك ندير الحوار حول هذا الموضوع بعيدا عن كل هذا الجدل والصخب الدائر على طريقة السؤال والجواب.
-
هل صادق الأردن على اتفاقية حقوق الطفل 1989؟
نعم، صادقت الحكومة الأردنية على اتفاقية حقوق الطفل منذ عام 1991 بعد صدور الاتفاقية بعامين.
-
هل تلزم الاتفاقية الأردن بتبديل قوانينه بما يتناسب معها؟
نعم، إذ جاء في اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية في المادة 27، "لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة"، وهذه المادة تقرر سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية في التطبيق إذا ما تعارضت نصوص الاتفاقية مع القوانين الداخلية.
-
هل يجوز التحفظ على الاتفاقية عند المصادقة عليها؟
نعم يجوز ذلك وهذا ما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل في المادة 51، وتحفظ الأردن على المادة 14 من الاتفاقية فيما يتعلق بحرية الاعتقاد.
-
متى تم سن قانون حقوق الطفل في الأردن؟
قام الأردن بإعداد أول مسودة لسنّ قانون يحمي حقوق الأطفال في عام 1998، في حين عرض أول قانون على البرلمان في العام 2004، لكنه ظل مركونا في أدراج مجلس النواب لسنوات عديدة، قبل أن تقوم الحكومة بسحبه في 2008 وتقدمه من جديد إلى مجلس الأمة.
-
لماذا جعل القانون سن الطفولة 18 سنة؟
جميع القوانين الأردنية جعلت معيارا موضوعيا للفصل ما بين سن الطفولة وسن البلوغ، وهو بلوغ سن 18، إذ جاء في قانون الأحداث الأردني بتعريف الحدث بأنه كل من لم يتم 18 من عمره، كما جاء في القانون المدني الأردني في المادة 43، وسن الرشد هو 18 سنة شمسية كاملة، كما جاء في قانون الأحوال الشخصية المادة الخامسة إذ يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يكون كل منهما قد أتم 18 سنة شمسية، وكذلك قانون الانتخاب والأحزاب.. إلخ.
كما أن سن البلوغ الجسدي أو ظهور علامات البلوغ الجنسي لا يمكن اعتبارهما معيارا في تحديد الحقوق والواجبات، ويختلف ذلك من شخص لشخص ومن بيئة لبيئة ومن جنس لجنس، فلا يمكن اعتبار العلامات الجسدية معيارا في أهلية التصرف، لذلك عمدت جميع القوانين إلى اعتبار المعيار الموضوعي وهو بلوغ سن 18 ما لم يكن هناك عارض من عوارض الأهلية، وبعض قوانين الدول العربية الغنية التي يوجد بها معاملات مالية مهمة جعلت سن البلوغ المدني 21 سنة ميلادية كاملة، كما في المادة 96 من القانون المدني الكويتي لخطورة التصرفات المالية وحجمها.
كما أن منح سن البلوغ القانوني لمن يبلغ جسديا أو جنسيا فيه ظلم كبير للمراهق، فلا يمكن معاملة كل من يبلغ جسديا أو جنسيا معاملة الراشد الذي بلغ سن 18.
والأهم أن حق التربية للأبناء وضبط تصرفاتهم يبقى في هذا القانون لسن 18، ومنح الأهلية الكاملة لمن بلغ جنسيا أو جسديا يحرم الآباء من هذا الحق في التربية والتوجيه قانونا، وفي ذلك خطر كبير على تربية النشء وتوجيههم وضبط سلوكهم بما ينسجم مع عادات المجتمع وتقاليده ودينه وأحكام القانون.
-
هل أغفل القانون في المادة 5 (ب) أهمّ حقوق الطفل ألا وهي حق التربية والتوجيه والتأديب، مكتفيا بذكر حق الرعاية فحسب؟
إن ما جاء في نص المادة الخامسة الفقرة (ب)، للطفل الحق في الرعاية وتهيئة الظروف التنشئة تنشئة سليمة تحترم الحرية والكرامة الإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية، فالتنشئة تشمل الرعاية والتربية والتعليم والصحة.. إلخ.
وكلمة رعاية تنصرف في اللغة إلى الحماية والأفضلية في المعاملة، والراعي من ولى أمرا بالحفظ والسياسة كالملك والأمير والحاكم، وورد في حديث النبي الكريم -صلّى الله عليه وسلم-: "ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"، قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته واقتصار أمر الرعاية على رعاية الحاجات الحياتية دون التربية، وفي ذلك تحميل النص ما لا يحتمل.
كما لا يمنع أو ينتقص قانون حقوق الطفل من حقوق الوالدين في تربية أولادهم، بل نص في أكثر من مادة على ما تقره التشريعات من حقوق الوالدين أو القائمين على تربية الطفل وهذا جاء في ذيل الفقرة (أ) من المادة 8، وجاء في المادة (12) بنص صريح على دور الأسرة في تمكينها من تربية الطفل وتعليمه، مع العلم أن جميع القوانين الأردنية لم تضع أي إطار قانوني لحدود تربية الآباء لأبنائهم.
-
هل يعطي قانون حقوق الطفل في المادتين السابعة والثامنة الطفل الحق في عدم التدخل في حياته الخاصة من قبل الوالدين؟
جاء في نص المادة الثامنة للطفل الحق في احترام حياته الخاصة، مع مراعاة حقوق وواجبات والديه أو من يقوم مقامهما وفقا للتشريعات الأردنية، وبذلك استثنى قانون حقوق الطفل الوالدين من الحماية المنصوص عليها للطفل كما أنه لا يوجد في القوانين الأردنية معيار موضوعي لحدود تربية الآباء لأبنائهم وترك الموضوع للعرف والعادة وأعطى قانون العقوبات الأردني في المادة (62) الحق للوالدين في ضرب أبنائهم للتأديب في حدود العرف العام، وإلا أصبح جريمة تستحق العقاب.
-
من الجهة المختصة التي ذكرت في القانون؟ والتي أعطاها اتخاذ كافة الإجراءات التي تحول دون التعرض لحياة الطفل الخاصة، ولها في سبيل ذلك حجز أو إيقاف أو مصادرة أو إتلاف المنشورات أو الكتب أو التسجيلات أو الصور أو الأفلام أو المراسلات أو غيرها من الوسائل؟
هذه المادة جاءت بسبب التطور التكنولوجي وما يقوم به المراهقون من اتصال مع الأغراب وأخطاء من كشف العورات أو حتى الجنس الإلكتروني والذي يتم ابتزازهم من خلاله، فجعلت هذه المادة من واجبات السلطات الرسمية والجهات سواء القضائية أو مؤسسات حماية حقوق الأطفال أو الجهات الأمنية أو الجهات الأهلية سواء كانت جمعيات أو الشركات الكبرى مثل فيسبوك أو جوجل أو تويتر، التي تقدم خدمات للطفل، أو حتى شركات المواقع الإباحية المرخصة وجوب الالتزام بحذف تلك المحتويات وإتلافها من محركات البحث للحفاظ على حياة الأطفال وسمعتهم وشرفهم، إذ حصلت حوادث كثيرة أن أقدم مراهقون في لبنان ومصر والكثير من البلدان على الانتحار بعد أن تم ابتزازهم وتهديدهم بنشر فيديوهات لهم وهم في أوضاع مخلة، هذه المادة تحمي الأطفال دون أن تنتقص هذه المواد من حقوق الوالدين من الاطلاع على حياة أطفالهم وخصوصياتهم حق الوالدين محفوظ في الرقابة وهذا ما وضحته اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الأردن والمادة الثامنة نفسها من قانون حقوق الطفل.
-
ما معنى حق الطفل في الحصول على المعلومة الواردة في القانون؟
اتفاقية حقوق الطفل هي التي فسرت لنا معنى حق الطفل في الحصول على المعلومة، إذ نصت المادة (17) المقصود بالمعلومة والتي جاء فيها: "تعترف الدول الأطراف بالوظيفة الهامة التي تؤديها وسائط الإعلام وتضمن إمكانية حصول الطفل على المعلومات والمواد من شتى المصادر الوطنية والدولية، وبخاصة تلك التي تستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته الجسدية والعقلية، وتحقيقا لهذه الغاية" إلى آخره من نص ذات المادة.
-
هل يحق للطفل تقديم شكوى بحق والديه إن أساؤوا التصرف معه خارج حدود العرف العام؟
هذا الحق كفله قانون الحماية من العنف الأسري الصادر عام 2017 وقانون العقوبات، وهو محكوم أيضا بنص المادة 62 من قانون العقوبات بعدم تجاوز العرف العام ولا علاقة له بقانون حماية حقوق الطفل.
-
هل يحق للطفل تبديل دينه بموجب قانون حقوق الطفل؟
القانون لم ينص على أي حق في ذلك، واتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الأردن ذكرت حرية الاعتقاد للطفل في المادة 14 والأردن تحفظ على هذه المادة، لأنه يتعقد أن حرية الاعتقاد لا تكون إلا بعد بلوغ الشخص 18 سنة ليكون الشخص أكثر نضوجا، وهذا ما يجعل هناك أهمية لرفع سن الرشد إلى سن 18 وليس إلى البلوغ الجسدي أو البلوغ الجنسي كما ورد في بعض الاعتراضات على نصوص القانون ومطالبات البعض.
-
هل جاء القانون بناء على ما ورد في اتفاقية سيداو ومتطلباتها؟
اتفاقية سيداو تختلف اختلافا تاما في موضوعها عن قانون حقوق الطفل، فالاتفاقية تتحدث عن إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتم إقرارها والعمل بها عام 1980 وتختلف عن اتفاقية حقوق الطفل التي تم إقرارها في عام 1989، وهناك خلط كبير عند الحديث عن الاتفاقيتين كاتفاقية واحدة لاختلاف موضوعاتها ومجال عملها والحقوق التي تحميها.
-
لماذا الهجوم على القانون ما دام بهذا الوضوح؟
هناك عدة بواعث للهجوم على القانون، بعضها محق وهو ضعف الصياغة والسبك التشريعي وغموض بعض المصطلحات، وإن كان غموضا توضحه قوانين واتفاقيات أخرى، ومع ذلك يبقى عيبا تشريعيا يحتاج إلى تصحيح، خاصة في بيئة متشككة متوجسة، وهذا ما يمكن إنضاجه في مجلس النواب حاليا وتحسين النصوص، وهذا من صميم عمل المجلس.
كما أن هناك رغبة من البعض في استثمار معارضة القانون وتقديم خطاب شعبوي للظهور بمظهر حامي الهوية والدين والتكسب السياسي من ذلك دون معرفة وعلم بالقانون، وهذا سلوك سياسي يلحق الضرر الكبير في المجتمعات وتطور التشريعات، وهناك من يعارض لأن لديه حساسية فكرية اتجاه كل قانون يأتي من الغرب أو اتفاقية دولية تتعلق بالأسرة والمرأة والطفل وهذا تصرف معهود من الأطراف المحافظة في مواجهة حضارات الغير الصاعدة.
البواعث لمعارضة القوانين كثيرة، لكن بالنهاية تبقى مصلحة الطفل وأجيال المستقبل أهم من كل ذلك.