سلاح حماس المسألة الأكثر تعقيدا في المرحلة المقبلة

الصورة
الأسرى الإسرائيليون الثلاثة بين مقاومين من حماس قبيل تسليمهم للصليب الأحمر بدير البلح 8/2/2025 | رويترز
الأسرى الإسرائيليون الثلاثة بين مقاومين من حماس قبيل تسليمهم للصليب الأحمر بدير البلح 8/2/2025 | رويترز
آخر تحديث

تضمنت خطة ترامب التي أنهت الحرب على غزة في البند (13) منها نصا صريحا يتحدث عن نزع سلاح حماس إذ جاء فيه: "وسيجري تدمير جميع البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بما في ذلك الأنفاق ومرافق تصنيع الأسلحة، ولن يعاد بناؤها". وستتم عملية نزع سلاح غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، وتشمل وضع الأسلحة خارج الاستخدام الدائم"، كما تمت الإشارة في البند السادس من الخطة إلى أن من يتخلى عن السلاح من عناصر حماس يستحق عفوا. 

لكن ما هو السلاح الذي ما زال بيد حماس حتى الآن؟ وكيف يمكن لإدارة ترامب نزع سلاح حماس؟ وما هو انعكاس ذلك على القضية الفلسطينية، وحماس، ومستقبل المقاومة الفلسطينية؟ 

سلاح حماس 

لم تصدر عن حماس أي تصريحات تتحدث عن قدراتها العسكرية قبل الحرب وبعدها، وما يمكن عرضه هو معلومات استخباراتية وصحفية تتحدث عن هذا السلاح وأهم عناصر هذا السلاح: 

  • الأنفاق العسكرية: إذ تُقدر المعلومات الاستخباراتية أن طول أنفاق حماس العسكرية تتجاوز 500 كيلومتر بتحصينات وأعماق مختلفة. ووفقا للمعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية فإن ما تم تدميره من أنفاق حماس بعد الحرب على غزة لا يتجاوز 25% من حجمه. 

  • الصواريخ: تقدر المعلومات الاستخباراتية أن حماس كانت قبل الحرب تملك أكثر من 10 آلاف صاروخ من 11 نوعا بمدى قصير ومتوسط يصل مدى بعضها إلى 250 كيلومترا. ومعظم هذه الصواريخ تصنع داخل غزة صناعة مدعومة بتكنولوجيا مستوردة من دول وتنظيمات إقليمية تطور أسلحة حماس، كما تشير المعلومات الإسرائيلية إلى أنه تم استعمال وتدمير معظم الترسانة الصاروخية لحماس وأن ما تحتفظ به حماس لا يتجاوز المئات من الصواريخ.

  • القذائف: إذ تملك حماس قذائف الهاون وصواريخ الكورنيت التي استخدمت في تدمير مدرعة النمر في حرب غزة، بالإضافة إلى امتلاكها قذائف الياسين وشواظ التي تستخدم في مواجهة الدبابات الإسرائيلية. 

كما تمتلك حماس منظومة من أسلحة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة التي استهدفت دبابات وجنودا إسرائيليين أثناء الحرب، ولديها طائرات شراعية مظلية ساعدت في تسلل جنود المقاومة إلى داخل المستوطنات في أحداث السابع من أكتوبر، بالإضافة إلى منظومة دفاع جوي وهي صواريخ أرض-جو محلية الصنع شاركت في مواجهة الطائرات الإسرائيلية والتصدي لها، بالإضافة إلى بعض الأسلحة الخفيفة مثل الأسلحة الرشاشة وبندقيات القنص مثل بندقية "الغول". 

فيما تشير التقارير الاستخباراتية إلى أن حماس استطاعت زيادة أعداد المقاتلين وتعويض خسارتها في الكوادر المقاومة فما زال لديها أكثر من 20 ألف مقاتل. 

تخفي حماس هذه الأسلحة وتخزنها في شبكة أنفاقها التي يطلق عليها "مترو غزة". لكن حجم ما تبقى من هذا السلاح وإمكانية تطويره يبقى من الأمور التي لا توجد حولها معلومات دقيقة من حيث ما تم استهلاكه وتدميره في الحرب الأخيرة على غزة، إذ تشير المعلومات الإسرائيلية إلى أن حماس فقدت 60% من ذخيرتها في الحرب إلا أن ما يمكن تعويضه من هذه الذخيرة متاح في ظل وجود تقارير أمنية للجيش الإسرائيلي تقدر أن 10% مما تم إلقاؤه على غزة من قنابل لم ينفجر مما يمكن حماس من إعادة استخدامه في ترميم مخزونها من الذخيرة. 

هل يمكن نزع سلاح حماس؟ 

صرح الرئيس الأمريكي ترامب أن على حماس نزع سلاحها وأنه يمكن لأمريكا أن تتدخل عسكريا من أجل نزع سلاح حماس فيما لو رفضت حماس ذلك، إلا أنه أشار إلى أن تدخل أمريكا لا يعني بالضرورة تدخل الجيش الأمريكي بشكل مباشر في نزع سلاح حماس، وفي ذلك تلميح لإمكانية استخدام القوات الدولية في هذه المهمة أو السماح بتجدد الحرب على غزة والسماح للحكومة الإسرائيلية بمواصلة الحرب لتدمير سلاح حماس. 

فيما صرح رئيس وأعضاء الحكومة الإسرائيلية أنه يتوجب نزع سلاح حماس لضمان أمن "إسرائيل"، وأن "إسرائيل" سوف تتخذ إجراء مباشرا في نزع سلاح حماس إذا لم تقم قوى أجنبية بذلك، وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي على ضرورة تدمير أنفاق حماس وأن نزع سلاح الحركة هو السبيل لضمان أمن "إسرائيل" سواء عبر جهود دولية أو تدخل مباشر لـ"إسرائيل".

فيما صرح القيادي الفلسطيني خليل الحية أن سلاح حماس خارج النقاش، وأن حماس يمكنها أن تنزع سلاحها في حالة انتهاء الاحتلال الإسرائيلي، ومن حق الشعب الفلسطيني الاحتفاظ بسلاح المقاومة للدفاع عن نفسه ما دام هناك احتلال، فيما صرح القيادي في حماس حازم القاسم بأن مسألة نزع سلاح حماس مسألة معقدة وأن السلاح مسألة قابلة للحل من خلال التوافق الوطني، وأن المشكلة هي في سلاح الاحتلال. 

يبدو أن فريق ترامب لتنفيذ اتفاق غزة يسعى في خطته لنزع سلاح حماس من خلال خطوات متدرجة، إذ سوف تبدأ هذه الخطوات من خلال الضغط الاقتصادي على غزة على أن يكون السماح بإعادة الإعمار وتدفق المساعدات الإنسانية مرتبطا بمدى استجابة حماس لنزع سلاحها، وهذا يشكل ضغطا شعبيا كبيرا من داخل غزة على حماس من أجل نزع سلاحها، وفي هذا الصدد صدرت بعض التصريحات العربية التي تربط المشاركة في إعادة الإعمار في غزة بنزع سلاح حماس.

لكن هذه السياسة قد لا يُكتب لها النجاح في ظل نتائج استطلاعات الرأي التي صدرت في نهاية أكتوبر الماضي عن مؤسسة استطلاعات الرأي والأبحاث المسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي خلصت إلى أن 70% من المستطلعة آراؤهم يرفضون نزع سلاح حماس، حتى لو كان ذلك شرطا لمنع عودة الحرب. 

بالتوازي مع ذلك فإن تنفيذ خطة ترامب لنزع سلاح حماس تعتمد على عدم مشاركة حماس في السلطة التي ستقوم في غزة على أن يتم تدريب شرطة محلية تابعة للسلطة التي سوف تحكم غزة، ويترافق ذلك مع انتشار قوات دولية تقوم بواجب حفظ الأمن في غزة على أن يكون من مهام هذه القوات نزع سلاح حماس وهدم البنية التحتية العسكرية لها، فيما أبدت بعض الدول العربية والإقليمية استعدادها للمشاركة في هذه القوات شريطة أن يترافق هذا مع مسار سياسي لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود 67. 

من خلال السلوك الأمريكي يبدو أن الإدارة الأمريكية معنية في هذه الفترة بتثبيت وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية على أن يكون بعد ذلك العمل على نزع سلاح المقاومة وإقامة سلطة فلسطينية مؤقتة في غزة قادرة على منع نشوء حالة مقاومة جديدة تعرض أمن "إسرائيل" ومستقبلها للخطر، فأمريكا واضح أنها تريد التدرج في استخدام الوسائل الناعمة قبل الذهاب إلى الخيار العسكري في محاولة نزع سلاح حماس والذي يعني بالضرورة تجدد الحرب وتجدد دفع الكلف السياسية والعسكرية الكبيرة وتجدد المأساة الإنسانية من جديد. 

ماذا لو نزع سلاح حماس؟ 

رغم أن الحديث عن نزع سلاح حماس من أكثر المسائل تعقيدا بعد انتهاء الحرب وأنه من الصعب على حماس التخلي عن سلاحها مهما تعرضت للضغوط، خاصة في ظل التفاف شعبي حول المقاومة وسلاحها، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن هناك رفضا لنزع سلاح حماس، كما أن هناك رضا فلسطينيا بلغ 60% عن حركة حماس وأن 53% من الشعب الفلسطيني يؤيدون عملية السابع من أكتوبر. 

الحديث عن نزع سلاح حماس يتم على ثلاثة أوجه وأشكال وبرغبات متباينة بين كل الفاعلين في القضية الفلسطينية:

  1. نزع السلاح واستسلام المقاومة وإلغاء الإرادة القتالية والسياسية لدى فصائل المقاومة، وهذا ما تريده حكومة "إسرائيل".

  2. الحديث عن تسليم سلاح حماس ونقله للسلطة الفلسطينية، وهذا ما تريده بعض الأطراف العربية والسلطة الفلسطينية.

  3. إلقاء السلاح دون نزعه وتسليمه للسلطة الفلسطينية فقط ووقف استخدام هذا السلاح، وهذا ما يمكن أن تقبل به حماس وتسعى إليه حاليا. 

ماذا يترتب على نزع سلاح حماس؟

لكن ماذا لو تمكنت أمريكا و"إسرائيل" والقوى الدولية من نزع سلاح حماس سواء بالضغط الدبلوماسي والقوة الناعمة أو بالقوة العسكرية فإن ذلك سوف ينعكس بشكل كبير على مستقبل القضية الفلسطينية، وأهم هذه الآثار التي تترتب على نزع سلاح حماس:

  • إغلاق ملف حل الدولتين وتلاشي مشروع إقامة الدولة فلسطينية خاصة في ظل حكومة يمينية صهيونية متطرفة ترفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية وتريد تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه إلى خارج فلسطين وتستولي على أراضي الضفة الغربية وغزة.

  • إنهاء حماس وكل الفصائل الفلسطينية من المشهد السياسي الفلسطيني، فشرعية حماس ومكانتها وقدرتها على أن تكون فاعلا في الساحة الفلسطينية ناتج من شرعيتها الثورية المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، فإذا ما تم نزع سلاح حماس في أفضل الأحوال سوف تتحول حماس إلى قوة سياسية مهمشة ومهشمة في المشهد الفلسطيني، وتظهر كحركة مهزومة مستسلمة مصنفة على قوائم الإرهاب العالمية مما يعني خروجها من الساحة الفلسطينية وفي جميع جوانبها. 

  • بروز فصائل ولاعبين فلسطينيين جدد أكثر تشددا يمكن أن يرثوا حركة المقاومة الفلسطينية، ففي الوقت الذي تخلت فيه حركة فتح عن سلاحها ونضالها العسكري ضد "إسرائيل" صعدت حماس لتملأ هذا الفراغ، فما دام الاحتلال قائما فمن المؤكد أن خيار البندقية في مواجهة المحتل سوف يبقى قائما وسوف يظهر بأشكال وتنظيمات مختلفة؛ فالبيئة الفلسطينية بيئة خصبة لنمو الفكر المقاوم فالمقاومة المسلحة هي عرض لوجود مرض الاحتلال ومتى ما زال مرض الاحتلال زال العرض. 

قد يكون ممكنا لإدارة ترامب و"إسرائيل" مع وجود تعاون وضغط دولي أن ينزعا سلاح حماس أو يدمراه بكلفة سياسية وعسكرية كبيرة، لكن ذلك لن يمنع قيام تنظيمات وأشكال عسكرية مختلفة لمواجهة الكيان الصهيوني في المستقبل، فالمقاومة المسلحة قائمة ما دام الاحتلال قائما مهما حاولت "إسرائيل" تأجيل الاستحقاق وترحيله لسنوات بعيدة فلا مناص لها من جلاء الاحتلال حتى تتوقف محاولات البندقية الفلسطينية المتشبثة في الخلاص.

اقرأ المزيد.. قراءة عربية لمسودة مشروع الولايات المتحدة في غزة

دلالات
00:00:00