محمية ضانا في أعلى قمم البلاد.. حامية الندرة والشاهد على كنوز الأردن

الصورة
محمية ضانا
محمية ضانا
المصدر

في أعلى قمم البلاد التي سكنها الحفاة السائرون الأوائل، وفي وسط الطبيعة الخلابة أنشئت محمية ضانا التي باتت حامية الندرة والشاهد الأبرز على كنوز الأردن الطبيعية. 

محمية ضانا التي تبعد مسير 3 ساعات بالسيارة عن العاصمة عمان أنشئت عام 1989، وهي تغطي مساحة تصل إلى 320 كيلومترا مربعا في منطقة ضانا الجنوبية، وتعد واحدة من أهم المحميات الطبيعية في العالم؛ نظرا لما تضم بين جنباتها من كنوز طبيعية وثروة حيوانية ونباتية نادرة. 

أربعة مناخات جوية في مكان ووقت واحد

الدليل السياحي البيئي الأول في الأردن الدكتور تيسير قطيشات يقول لـ حسنى إن ضانا تستقبل زوارها القادمين من أقصى بقاع الأرض، وفيها جبل العلمي الذي يعد ثاني أعلى قمم البلاد وأعلى قمة مأهولة بالسكان في الأردن. 

وأوضح قطيشات أن الزائر لمحمية ضانا يعيش في أربعة مناخات مختلفة خلال ساعات من المسير، حيث تبدأ من قمة جبل العلمي بمناخ البحر الأبيض المتوسط، وبالانحدار نحو الأسفل قليلا يبدأ المناخ الإيراني الطوراني الذي يلحظه الزائر من خلال الصخور التي يميل لونها للأحمر، ثم يبدأ المناخ السوداني الإفريقي بعد الاستمرار بالانحدار إلى الأسفل حيث تقل الأشجار وتكثر الشجيرات الصغيرة وتظهر صخور الجرانيت التي يصنع منها الرخام المستخدم في المنازل. 

وأفاد قطيشات أن المناخ الرابع الذي يبدأ في أسفل الوادي هو مناخ شبه الجزيرة العربية الصحراوي، مما يوفر فرصة للزائر للعيش ضمن مناخ القارة الأوروبية والآسيوية والإفريقية ومناخ شبه الجزيرة العربية الصحراوي في المكان نفسه وفي الوقت ذاته. 

محمية ضانا

وتضم محمية ضانا قمة العلمي التي يصل ارتفاعها إلى 1654 مترا إضافة إلى وادي فينان الموجود على عمق 200 متر أسفل سطح البحر، حيث توفر المحمية ممرا سياحيا بطول 15 كيلومترا عموديا يبدأ من قمة الجبل إلى أسفل الوادي مرورا بالتضاريس الجبلية الوعرة والفريدة.

%35 من نباتات الأردن مسجلة في محمية ضانا

وباتت المحمية موئلا هاما للحيوانات والنباتات النادرة والمهددة بالانقراض، مما جعل منها مكانا حاميا ومروجا لثروات البلاد على الصعيد العالمي. 

يقول قطيشات إن المحمية فيها أكثر من 1200 نوع من النباتات، أي ما يعادل 35% من النباتات المسجلة في الأردن، عدا عن وجود 3 نباتات سجلت للمرة الأولى في العالم، ونبتتين انقرضتا في العالم وبقيتا في المحمية الأردنية. 

وتحتوي المحمية على أشجار خالدة عمرها يزيد على 2000 عام، لعل أبرزها شجرة اللوز المعمرة، التي يقدر عمرها بأكثر من 2000 عام، مما يجعلها من أقدم الأشجار في العالم، حيث توفر هذه الأشجار موطنا للعديد من الحيوانات البرية، مثل النحل والخفافيش والقوارض، كما أنها تساعد في الحفاظ على التربة ومنع التعرية. 

ويبلغ ارتفاع شجرة اللوز المعمرة قرابة 10 أمتار، ولها جذع ضخم يصل قطره إلى 3 أمتار، كما أنها مليئة بالزهور البيضاء في فصل الربيع، وتنتج ثمار اللوز في فصل الصيف.

حيوانات مهددة بالانقراض

المحمية تعد موطنا للمئات من الحيوانات البرية، وعدد من الحيوانات المهددة بالانقراض مثل النمر العربي والضبع المخطط والسحلية الذهبية. 

وأفاد قطيشات أن هناك 38 نوعا من الحيوانات الثديية المهددة بالانقراض في محمية ضانا مثل الذئب والضبع، كما أن البدن العربي "الغزال" كان مهددا بالانقراض حينما لم يتبق منه سوى 6 أزواج، إلا أن حملات الحماية التي وفرت له طوال الـ 30 عاما الماضية أسهمت بزيادة أعداده إلى أن وصل اليوم إلى 300 زوج من البدن.

قرية عثمانية في أعالي ضانا

في قمم ضانا العليا تقبع قرية عثمانية بنيت على أساسات قصر روماني عمره زاد على 3000 عام، لتحافظ القرية بعد 300 عام من العمران العثماني على طابعها وإرثها الذي بنيت عليه.

قطيشات بين لـ حسنى أن القرية هي آخر قرية عثمانية محافظة حتى اليوم على طابعها وعلى سكانها من العائلات الأصلية التي لم تتبدل حتى اليوم. 

وتحوي القرية 3 عيون ماء عذب ينسدل من أعالي الجبال فيسمع خريره في أزقة القرية وأسفل نوافذ بيوت ساكنيها، راسما مع الأشجار الخضراء وزقزقة العصافير أعجوبة طبيعية يعانقها الزائر الباحث عن السكينة بعيدا عن ضجيج الحياة. 

وأكد قطيشات أن مياه الينابيع ووفقا للفحوصات الرسمية أثبتت عذوبتها وصلاحيتها للاستهلاك البشري، إذ إن هذه المياه تقترب نسبة نقائها من المياه الصحية المباعة في المحال التجارية. مبينا أن مصدر المياه هو الحوض المائي الجوفي لمنطقة وادي عربة، وأن المياه تشق طريقها عبر الجبال الترابية نحو الأعلى، ومع وصولها إلى الارتفاع الذي تنتشر به الصخور تخرج من المناطق التي تتخللها شقوق وأصداع صخرية. وأضاف قطيشات أن حوض وادي عربة يتغذى على المياه التي تتسرب إليه نتيجة الثلوج والأمطار التي تهطل على منطقة ضانا بشكل دوري.

اقرأ المزيد.. حمامات عفرا المعدنية.. خدمة استشفائية وأوقات استجمام بأسعار رمزية

مراكز تسوق في ضانا

أكثر من 100 غرفة فندقية للزوار

وباتت قرية ضانا تضم اليوم العشرات من الغرف الفندقية، حيث تضم المحمية أكثر من 200 غرفة فندقية تشهد نسب إشغال تصل إلى 100% خلال أوقات الذروة السياحية. 

جزء كبير من بيوت القرية العثمانية خضع للترميم، حيث تحولت لغرف فندقية ومحال تجارية تستقبل السياح من مختلف دول العالم، إضافة إلى وجود مسجد بني عام 1952 على يد رجل جاء من منطقة يطا في مدينة الخليل الفلسطينية. 

مركز لتجفيف خضار ضانا ونقاط شحن كهربائية

يقول قطيشات إن القرية العثمانية تضم مركزا لتجفيف الخضار والفواكه التي تنتج في محمية ضانا بشكل طبيعي ومن دون استخدام أي منتجات كيميائية تضر بالبيئة والصحة. 

وأوضح قطيشات أن المركز يشتري هذه المنتجات من السكان المحليين ويجهزها للبيع إما داخل المحمية أو في أحد المعارض في العاصمة عمان. كما تضم القرية نقاط شحن للسيارات الكهربائية التي تزور المحمية.

خيارات منوعة للزوار وفرص للتخييم

توفر المرافق السياحية الموجودة داخل المحمية خيارات متعددة للزوار بين الإقامة والخطط السياحية والخدمات المقدمة. 

وبين قطيشات أن أسعار الإقامة الفندقية لشخصين داخل المحمية تصل إلى 60 دينارا لليلة الواحدة شاملة وجبة الإفطار، مشيرا إلى أن المحمية توفر أماكن تخييم للزوار وجولات سياحية سيرا على الأقدام، وتختلف مسافات تلك الجولات ومدتها وفقا لطبيعة المسير ومنطقته. 

ويوجد داخل مركز الزوار في المحمية مطاعم وإطلالات فريدة، إضافة إلى بقالة لبيع المنتجات الخاصة بالمحمية مثل العسل والمربى والأشكال النحاسية وبيوض النعام وغيرها، حيث يتم تغليف هذه المنتجات باستخدام أوراق معاد تدويرها بطريقة تضمن حفظ المنتج من التلف وتتيح نقله عبر الطائرة في حال كان المشتري سائحا أجنبيا.

اقرأ المزيد.. بإطلالة فريدة.. نزل النمتة يصور سحر الطفيلة البديع

هدايا تذكارية يشتريها السياح

مسير 5 أيام من وادي ضانا إلى البترا

بين قطيشات أن المسير في محمية ضانا يستغرق 4 أيام و5 ليالٍ على الأقدام، حيث يبدأ من وادي ضانا ومن ثم وادي النخيل الذي يعد ممرا مائيا ساحرا يحتوي على غابات النخيل البري، وصولا إلى الشوبك وجبالها المغطاة بأشجار البلوط العالية، ثم يصل السائر في اليوم الرابع إلى إحدى عجائب الدنيا السبع مدينة البترا من الجهة الخلفية للسيق. 

وقال قطيشات إن المسير يشمل تأمين الزائر بالوجبات وخيام النوم والتعريف بالمناطق المختلفة بتكلفة لا تزيد على 250 دينارا للشخص الواحد، حيث لا يرى الزائر خلال الأيام الأربعة أي مظهر من مظاهر الحداثة بل يكتفي بتمعن واكتشاف النباتات والصخور والحيوانات النادرة. 

وأشار قطيشات إلى أن هذه الرحلة تزيد من احتمالية مقابلة الزوار للحيوانات التي تعيش في المحمية والتي تنشط في غالبيتها ليلا وبعيدا عن السكان.

مراقبون لحماية المحمية من الاعتداءات

وفقا لقطيشات يعمل داخل المحمية عدد من المراقبين الذين يستخدمون المنظار والتلسكوب لمراقبة الجبال المحيطة؛ لتوفير الحماية اللازمة من المعتدين. 

وأوضح قطيشات أن المراقبين يمنعون اعتداءات التحطيب والرعي الجائر من قبل البعض، حيث يتم معاقبة مرتكب هذه الأفعال قانونيا. 

لماذا يغيب التلفريك عن ضانا؟

المشاهد البديعة للجبال والأودية والغابات التي تحتويها محمية ضانا تفتح باب التساؤلات حول أسباب عدم إنشاء الجهات الرسمية لتلفريك يربط قمم الجبال العالية ويوفر مشهدا ساحرا للزوار الراغبين بمعاينة المنحدرات والغوص في بطون الأودية. 

وصرح قطيشات لـ حسنى أن الجهات الرسمية أبدت قبل سنوات نية لإنشاء تلفريك في المحمية، إلا أن الخطة تغيرت بعد ادعاء القائمين على المشروع بأن التلفريك سيضر بحياة الطيور. 

وتساءل قطيشات إن كان التلفريك يؤثر على الحياة البرية في محمية ضانا ولا يؤثر على الحياة ذاتها في مدينة عجلون التي شهدت مؤخرا إنشاء تلفريك.

اقرأ المزيد.. قرية السلع وقرية المعطن.. تراث عريق في الطفيلة

الأكثر قراءة
00:00:00