أبو ظبي وتل أبيب جردة حساب ما وراء التطبيع

الصورة
المصدر
آخر تحديث

افتتح وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد اليوم الخميس قنصلية كيانه المحتل في إمارة دبي، وذلك بعيد افتتاحه أمس الأربعاء سفارة الكيان في أبو ظبي لتصبح أول سفارة وقنصلية رسميتين للاحتلال في منطقة الخليج العربي، وليصبح لبيد أول وزير إسرائيلي في التاريخ يزور الإمارات رسميًا.

 

وقال المتحدث باسم وزارة خارجية الاحتلال في تصريحات صحفية إن "الافتتاح عمل رمزي"، "السفارة والقنصلية تعملان بالفعل منذ أربعة أشهر ونصف".

والتقى لبيد نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان وناقشا خلال اللقاء مجموعة من القضايا الثنائية بما في ذلك التعاون الاقتصادي والتجارة والأمن.

وفي ختام زيارة لبيد للإمارات أعلن الطرفان في بيان مشترك اليوم الأربعاء ما وصفوه التقدم الكبير الذي تم إحرازه منذ توقيع اتفاق أبراهام للتطبيع العام الماضي، وأعربا عن قناعتهما بأن العلاقات الثنائية سوف يتم تعميقها وتوسيعها وتعزيزها في المستقبل القريب لصالح "البلدين" والمنطقة بأكملها".

وكشف البيان عن توقيع الجانبين اتفاقية تعاون اقتصادي وتجاري، بهدف تنمية العلاقات الاقتصادية وتدفق السلع والخدمات وإقامة المعارض، كما أعربا عن السعي لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة، وأشار البيان إلى أن المناقشات في هذا الصدد قد بدأت بالفعل.

 

وفي أيلول/سبتمبر 2020 قامت الإمارات بتطبيع العلاقات مع الكيان المحتل في ظل رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، الذي أطاح به معارضوه بعيدا عن السلطة في وقت سابق من حزيران/ يونيو الجاري.

 وقد وصف نتنياهو الاتفاقات التي أطلق عليها اسم اتفاقيات "أبراهام"، بأنها إنجاز شخصي، وأدار حملة إعادة انتخاب فاشلة جزئياً قدم خلالها نفسه على أنه كان المرشح المنقذ الذي يمكنه تقديم علاقات أفضل "لإسرائيل" مع جيرانها العرب مع الحفاظ على الأمن في الداخل.

غزة أول اختبار لاتفاق تطبيع الامارات واسرائيل

واجهت العلاقات الثنائية بين تل أبيب وأبو ظبي اختبارًا مبكرًا في أيار/مايو  الماضي عندما شن الكيان المحتل عدوانه على قطاع غزة  والذي استمر لمدة 11 يومًا، مما أسفر عن استشهاد 256 فلسطينيًا على الأقل من بينهم 66 طفلاً فلسطينيا.

فبينما وجهت الإمارات انتقادات للكيان المحتل بسبب الطرد القسري للفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس المحتلة واقتحام المسجد الأقصى إلا أنها آثرت الصمت تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.

و جاء الغضب الذي تم التعبير عنه خلال الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة ليؤكد على مدى البعد الرسمي الإماراتي عن موقف  الشعوب العربية.

ويقول محللون إن الإمارات العربية المتحدة احتلت لنفسها موقعًا بعيدًا عن المنطقة.

وإن كشف علاقتها مع "إسرائيل" إلى العلن بعد عقود من التعاون الأمني ​​الخفي يعزز أوراق اعتمادها في المنطقة من خلال بوابة التطبيع.

علاقات ممتدة بين طرفَي الاتفاق

بين سرية وعلنية امتـدت العلاقات بين الإمارات والكيان المحتل مدة 20 عاما واتخذت أبعادا مختلفة، فشملت مجالات  عدة أبرزها الأمنية والعسكرية  والاقتصادية.

ففي العام 2008، وقّعت هيئة المنشآت والمرافق الحيوية في أبوظبي -المسؤولة عن الأمن والسلامة- اتفاقا لشراء معدات مراقبة للبنى التحتية الحيوية في الإمارات بمئات ملايين الدولارات مع شركة "آي جي تي إنترناشيونال السويسرية" والتي يملكها شخص إسرائيلي كما زودت "آي جي تي" أبوظبي بثلاث طائرات مسيرة لتعزيز قدراتها الاستخباراتية، كما زودت تلك الشركة شرطة أبو ظبي تقنية للمراقبة الأمنية باسم "عين الصقر شغلته عام 2016 كما زودت مجموعة "إن إس الإسرائيلية الإمارات 2018 تقنية متقدمة تستخدم لغايات قرصنة الهواتف المحمولة والتجسس على العناصر  المعارضة لسياستها.

وعلى الصعيد العسكري اشتركت الإمارات مع الكيان المحتل في مناورات عسكرية مثل مناورات "العَلَم الأحمر للقتال الجوي، والتي تشرف عليها واشنطن وفي آذار/مارس 2017 ونيسان/أبريل 2019، شارك سلاح الجو لدى الجانبين في مناورات عسكرية عرفت باسم "إينيو هوس" في اليونان.

حقول غاز واستثمارات بالمليارات

يذكر أن أكبر صفقة محتملة حتى الآن هي نية صندوق الاستثمار المملوك للدولة في أبوظبي، للاستحواذ على حصة 1.1 مليار دولار في حقل غاز تمار الذي تسيطر عليه سلطات الاحتلال في شرق البحر المتوسط، وفي آذار/مارس، أعلنت الإمارات إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في الطاقة الإسرائيلية والقطاعات الاستراتيجية الأخرى، لكن جزءًا رئيسيًا من اتفاقيات أبراهام كان رغبة الإمارات في الشراكة مع الشركات الإسرائيلية وتنفيذ مشاريع مشتركة، لا سيما في المناطق التي تتداخل فيها مصالح الطرفين في الشرق الأوسط.

 

منافسة تركيا في حرب الطائرات

ومع ظهور حرب الطائرات دون طيار كعامل قوي في ساحات القتال في جميع أنحاء المنطقة وقّعت شركة صناعة الطيران الإسرائيلية مذكرة تفاهم في أذار/ مارس مع شركة الدفاع الإماراتية "إيدج" المملوكة للدولة للمشاركة في إنتاج أنظمة مضادة للطائرات بدون طيار.

تركيا، التي توترت علاقاتها مع كل من الإمارات العربية المتحدة والكيان المحتل، تدافع عن نفسها كمصدر متخصص للطائرات العسكرية بدون طيار وأظهرت إمكاناتها في الصراعات من ليبيا وسوريا إلى ناغورنو كاراباخ والإمارات تراقب بعناية تطور حرب الطائرات بدون طيار.

حيث أن حليفتها السعودية تعرضت في أيلول/سبتمبر 2019 لهجوم حوثي على منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو أدى إلى تعطيل إنتاج النفط وصادراته مؤقتًا ومنذ ذلك الحين كانت الرياض -وهي حليف وثيق لأبو ظبي- هدفاً لعدة هجمات بطائرات بدون طيار تبناها المتمردون الحوثيون، وإذا حدث للإمارات ما حدث ويحدث للسعوديين فلن تتمكن أبو ظبي من الحفاظ على عصب الاقتصاد لديها وهو قطاع السياحة كمعرض دبي إكسبو.

مكافآت لأبو ظبي

إحدى جوائز التطبيع لأبو ظبي عقب اتفاق أبراهام هي الحصول على طائرات مقاتلة من طراز F-35 من الولايات المتحدة على الرغم من المعارضة التي أبدتها تل أبيب في بادئ الأمر.

فزّاعة إيران

من المحتمل أن يظل الأمن على رأس جدول أعمال وزير خارجية الاحتلال يائير لبيد حيث تزامنت زيارته إلى الإمارات مع الجهود المستمرة التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية.

اقرأ المزيد: برنامج إيران النووي.. أسرار مخفية ونشاطات تثير مخاوف العالم

بعد مغازلة نتنياهو للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قال لبيد إنه حريص على إصلاح العلاقات المتوترة بين بلاده والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة.

والتقى يوم الأحد الماضي بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في روما ووعد بأن أي اعتراضات إسرائيلية على اتفاق إيراني جديد ستُقدم على انفراد لواشنطن.

ويتفق كل من الإمارات والكيان المحتل على معارضة خطة العمل الشاملة المشتركة عند توقيعها  عام 2015 ودعمتا أيضا انسحاب إدارة ترامب أحادي الجانب من الاتفاقية في عام 2018.

ولعب هذا الاصطفاف دورًا مهمًا في دفع اتفاقات التطبيع إلى الأمام.

اتهامات للإمارات بتسريب عقارات في القدس لصالح الاحتلال

و تواجه فيه مدينة القدس المحتلة، أخطر مراحل العنصرية والتهويد الإسرائيلي وسط صمت عربي رسمي مطبق، امتد إلى التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي والشراكة معه في تهويد وسلب العقارات الفلسطينية الإسلامية والمسيحية.  

حيث حذر الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص في تصريحات صحفية من المحاولات المتتالية للإمارات في مساعدة الاحتلال على تغيير معالم  مدينة  القدس المحتلة بشتى الطرق. 

وأشار أبحيص إلى صفقة بيع عشرة مبان في حي بطن الهوى عام 2014 و محاولة الوساطة في تسريب عقار جودة الحسيني في عقبة درويش عام 2018، وصولا إلى تقديم عرض لتمويل مشروع وادي السليكون عام 2020 الذي يسعى الاحتلال من ورائه إلى تغيير معالم البوابة الشمالية للبلدة القديمة في القدس المحتلة، وأضاف ابحيص قوله إن القيادة الإماراتية ترى في ذلك الدور قيمة استثنائية مضافة لا يستطيع العرب منافستها عليه.

وفي وقت سابق، قالت مؤسسة القدس الدولية إن الإمارات تحاول استغلال الانتخابات التشريعية الفلسطينية القادمة للسيطرة على المشهد السياسي في القدس، وذلك خدمة للاحتلال الإسرائيلي وتنفيذا "لاتفاق أبراهام".  

"أبراهام" إحياء لفكرة عمرها أكثر من ثلاثة عقود

يقول متابعون ومحللون أن فكرة اتفاق "أبراهام" لم تكن وليدة التحولات الراهنة في منطقة الخليج، إنما هي نتاج مشروع أمريكي قديم برز قبل 3 عقود من الزمن بعد غزو العراق للكويت عام 1990 ، لتكون "إسرائيل" بمقتضاه حليفا لدول الخليج العربية بدلا من إسناد هذا الدور لسوريا أو مصر.

ويأتي تحقيق هذا الهدف بعد ثلاثة عقود مع  ولادة ظروف ساهمت في تغيير قواعد اللعبة في المنطقة إضافة إلى أن مناخ الصراع العربي - العربي في "سوريا و اليمن و ليبيا و العراق" جعل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في ذيل الاهتمامات العربية وقد جاء اتفاق  التطبيع "أبراهام" تمثيلا لذلك التحول.

ورغم الحملة الترويجية الواسعة التي رافقت الاتفاق إلا أنه ولد شعورا عند الشعوب العربية بالصدمة ووفَّر للفصائل الفلسطينية المقاومة فرصة للتمسك بسلاح المقاومة ما قد يرفع نسبة احتمالية تفجر الصراع من جديد وفق قواعد اشتباك جديدة.

00:00:00