مقابلة أسامة حمدان حول تطورات معركة طوفان الأقصى ونتائج التوغل البري للعدو

الصورة
أسامة حمدان القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس
أسامة حمدان القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس

دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يومه الـ 24 مخلفا وراءه أكثر من 8 آلاف شهيد إضافة إلى نحو 20 ألف جريح في قصف جوي عشوائي يعد الأكثر همجية في تاريخ الاحتلال الذي ذاق ضربة موجعة في السابع من تشرين الأول الجاري على يد المقاومة الفلسطينية مع انطلاق معركة طوفان الأقصى. 

أسامة حمدان القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس وممثلها في لبنان

وفي مقابلة خاصة مع حسنى كشف القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس أسامة حمدان عن استعدادات المقاومة الفلسطينية للقادم ومدى قدرتها على الصمود أمام وجه المحتل، كما أشار إلى أن المقاومة لا تمانع إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، إضافة إلى حديثه عن تلقين المقاومة للاحتلال درسا قاسيا في معركة طوفان الأقصى.

حسنى: أستاذ أسامة حمدان لا شك أن أكثر من 20 يوما من القصف أمر صعب، واليوم ما يجري أمر غير مسبوق، كيف تنظرون إلى مجريات المعركة منذ السابع من تشرين الأول ولغاية اليوم؟

أسامة حمدان: لا شك أن أي معركة ستكون صعبة، ويجب أن لا نقلل من قيمة المعركة وقيمة التضحيات والشهداء، خاصة وأن حجم البطش الإسرائيلي كبير جدا، وهناك استهداف عن قصد لقتل أكبر عدد من المدنيين في محاولة لإيجاد حالة من الردع لدى المقاومة. 

أما فيما يتعلق بمجريات المعركة فقد بات واضحا لدى الجميع أنها نجحت في توجيه ضربة قاسية لجيش الاحتلال، وهو الجيش الذي قيل يوما أنه لا يقهر، أو أنه الجيش الذي يعرف الجميع أنه أقوى جيش في المنطقة. 

المقاومة استطاعت أن توجه لذلك الجيش ضربة قاسية في اليوم الأول للمعركة، ففي بضع ساعات كانت حصيلة القتلى من جنود الاحتلال وفق تصريحاتهم 300 قتيل من الجيش و100 قتيل من الأجهزة الأمنية إضافة إلى 1200 جندي خرجوا من الخدمة بسبب الإعاقة، وهذا سيمنعهم من القيام بأي عمل داخل مؤسسات الجيش الإدارية. 

وكل هذا يعني أن "إسرائيل" فقدت خلال ساعات 2000 جندي من فرقة غزة التي تعد من أفضل الفرق القتالية، وهذا ما جعل معركة طوفان الأقصى درسا قاسيا للاحتلال، وجعلنا ندرك أن الاحتلال مهما كان قويا فإن إرادة المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني يمكن أن يصنعا التغيير. 

وفيما يتعلق بالمسألة الثانية، فإن هذه المعركة أحيت سيناريو التحرير في الوقت الذي فقد فيه الكثيرون الأمل واعتقدوا أنه لا يوجد مجال لاستعادة الحقوق إلا بالتنازل عن معظمها مقابل الحصول على الفتات؛ لأن المنظومة الدولية والعالمية لا تسمح لك بذلك خاصة وأنها تدعم الكيان.

وخلال المعركة بدا الكيان عاجزا، ولو أن مثل هذا العمل يتم على عدد من الجبهات ستكون نهاية الكيان الصهيوني، وقد أكدت المعركة أن المقاومة لا تحتاج لتكافئ كامل بينها وبين المحتل من حيث القوة والسلاح والعتاد بقدر ما تحتاج إلى إدارة تستند إلى إرادة حقيقية في القتال ضد هذا العدو والانتصار عليه. 

أما المسألة الثالثة، فإن هذه العملية أخلت غلاف غزة تماما؛ حيث لا يمكن لمستوطن أن يعود إلى المنطقة التي كان فيها بعد الذي رآه من انهيار لهذا الجيش وانهيار لمنظومة هذه الدولة نظرا لعجز الجنود عن حماية أنفسهم، وأعتقد أن هذا الأمر ستكون له تداعياته على الاستيطان، ليس في غلاف غزة فقط إنما في الضفة أيضا في وقت ليس ببعيد. 

وخلاصة ما أريد قوله إن الذي يريد أن يصنع الحرية ويريد أن يتحرر من الاحتلال عليه أن يدرك أن هناك ثمنا سيدفع، وشعبنا يدفع هذا الثمن صابرا محتسبا لأنه يقتل حتى في ظل عملية التسوية، إذ إن عدد الشهداء في الضفة خلال العام الماضي تجاوز 300 شهيد كلهم قتلوا برصاص الاحتلال رغم أنه كانت هناك عملية تسوية.

وهذا يعني أن السلام مع الاحتلال لن يحمي من الموت، لكن الحماية الحقيقية من القتل تكون بالمقاومة التي ستردع الاحتلال أولا، ومن ثم في مرحلة لاحقة ستزيل الاحتلال إن شاء الله. 

حسنى: اليوم بعد الــ 7 من تشرين الأول، هناك استنفار عالمي غير مسبوق ودعم غير محدود للاحتلال الإسرائيلي، كيف تفسرون ذلك في حركة المقاومة الإسلامية؟ 

أسامة حمدان: الذي قاد دعم الاحتلال هي الولايات المتحدة، والجميع يعلم أن الإدارة الأمريكية الراهنة تسعى لربط "إسرائيل" بالمنطقة وتحويلها من كيان غاصب محتل مرفوض إلى كيان طبيعي، وهذا يعد هدفا أساسيا لهم، ولذلك دعمت أمريكا الكيان اقتصاديا وعسكريا وبدأت بتسويقه في المنطقة على أنه عامل من عوامل الاستقرار، وكأنها تقول أن الذي يحتاج قوة عسكرية ستكون "إسرائيل" سندا له، ومن يريد أن يطور اقتصاده بأشكال مختلفة فإن "إسرائيل" تمثل نموذجا لذلك، ومن يريد أن يحصل على التكنولوجيا، فيمكن لإسرائيل أن تكون بوابة مهمة له. 

وبعد نهار يوم الـ 7 من تشرين الأول انهارت فكرة تحويل "إسرائيل" إلى كيان طبيعي في المنطقة؛ فلا الجيش الذي يسوق على أنه قادر على حماية الآخرين استطاع أن يحمي نفسه، ولا الأمن الذي يقال أنه من أذكى الأجهزة في العالم تنبأ بما جرى، وبالتالي وقع في عملية تضليل قامت بها المقاومة ونجحت. 

كما أن التكنولوجيا التي بذل فيها الاحتلال ملياري دولار على جدار غزة لم تنجح في ردع المقاومين من العبور بأبسط الأدوات، ولم يكن اقتصاد الاحتلال سيصمد لولا الضخ المالي الهائل الذي منع انهياره وانهيار العملة. 

وبالتالي فإن فشل النموذج الذي يعبر عن الحضارة الغربية والحياة الأمريكية، والذي يتم تسويقه في المنطقة، أزعج الإدارة الأمريكية بحكم إحباطه لمشروعها الأساسي الرامي إلى إعادة رسم خارطة المنطقة على قاعدة تشكيل محور جديد يستوعب "إسرائيل" ككيان طبيعي، على أن تكوّن "إسرائيل" هذا المحور لاحقا. 

أما الدول الغربية الأوروبية فبعضها هو من بنى المشروع مثل فرنسا وبريطانيا، إذ شنت هاتان الدولتان ومعهما الكيان الصهيوني حربا ضد مصر عند تأميم قناة السويس، وهو ما يعني أنهما أسستا هذا المشروع الذي ما يزال محل رعايتهما، أما ألمانيا فتعيش عقدة النازية التي يحسن الصهاينة استخدامها لإذلالها، كما أن الألمان بعد حرب أوكرانيا شعروا أن نظريتهم في التفوق الاقتصادي للتخلص من الهيمنة الأمريكية سقطت، وشعروا حينها بأنه لا بد من العودة إلى بيت الطاعة الأمريكي، ولهذا ذهبت كل هذه الدول لدعم الكيان الذي يرتبط كل واحد منهم فيه بطريقة أو بأخرى. 

وهذا الدعم الغربي مؤشر يجب أن يدركه الجميع، إذ إن الذي يطمح إلى أن تضغط هذه الدول على "إسرائيل" لتحقق سلاما أو لتلتزم بسلام موقع معها يعد واهما؛ فهم ينحازون لهذا الكيان الذي يجدون أنه جزء منهم، ويجدونه امتدادا لاستعمارهم وعدوانهم على المنطقة وعلى أمتنا، ويجدون الكيان نموذجا يجب أن يسوق ويعمم في المنطقة. 

وربما لو كان الكيان قويا لما احتاج لكل هذا الحشد، إلا أن حالة الانهيار النفسي والمعنوي لدى الطبقة السياسية في الكيان المحتل كانت بعد العملية كبيرة جدا، إذ إن نتنياهو في اللحظات الأولى من لقائه مع بلنكن كان غير قادر على التركيز والتماسك حسب ما روت المصادر الأمريكية؛ لأنه لم يتوقع أن يتلقى الكيان ضربة بهذا الحجم. 

اقرأ المزيد.. مقابلة مصطفى البرغوثي المرشح السابق للرئاسة الفلسطينية حول طوفان الأقصى

حسنى: أستاذ أسامة حمدان ردة الفعل كانت عنيفة، أكثر من 20 يوما والآلة العسكرية لم ترحم طفلا أو شيخا، والهدف لم يكن المقاومة، إذ إن الهدف المعلن للاحتلال الإسرائيلي هو إنهاء حماس، إضافة إلى وجود هدف لتهجير أهل غزة لمصر، مقابل ذلك ما هو الهدف للمقاومة الإسلامية من هذه الحرب؟ 

أسامة حمدان: أولا سأبدأ من فكرة تهجير أهل غزة إلى مصر والتي كانت من حيث المبدأ فكرة أمريكية؛ حيث أراد الأمريكيون أن يحولوا ما أصاب الكيان الصهيوني لنصر سياسي من خلال تهجير الشعب الفلسطيني، وهذا الأمر لاقى قبولا عند الصهاينة؛ لأن المخطط الإسرائيلي لسموتريتش وبن غفير هو توسيع الاستطيان في الضفة والاستيلاء على المنطقة وترحيل ما يقارب مليوني فلسطيني من الضفة إلى الأردن، ورأوا أن نجاح التهجير من غزة إلى سيناء سيسهل من قبول المجتمع الدولي لفكرة تهجير مليوني فلسطيني من الضفة إلى الأردن، وهو ما سيقلل من الوجود السكاني الفلسطيني ويسهل السيطرة عليه وفق نظرية سموتريتش. 

وعلى كل حال هذا المخطط سقط لسببين: الأول أن هناك رفضا عربيا لهذا الأمر، واستند هذا الرفض على إرادة فلسطينية، حيث أبلغنا كل الأطراف المعنية أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يرحل، وشعبنا قد عبر عن ذلك بصراحة ووضوح. 

أما النقطة الثانية المتعلقة باستهداف المدنيين فهو أمر ليس بجديد على "إسرائيل"، ربما الجديد هذه المرة هو استهداف المدنيين عن قصد، ففي عدوان 2014 كان هناك 2700 شهيد معظمهم من النساء والأطفال، وفي عدوان عام 2008 كان هناك أكثر من 1500 طفلة وامرأة في أعداد الشهداء.

قتل النساء والأطفال موجود تاريخيا، وهذا الفعل له سببه الأيدولوجي لدى الصهاينة؛ حيث يعتبرون أن قتل النساء والأطفال ورد في توراتهم المحرفة في قول "اقتلوا كل امرأة وطفل" لأنه يرى أن إبقاء النساء والأطفال يدل على أن سيكولوجيا الصمود والمقاومة ستظل قائمة، لذلك يسعى لاستئصال كل شيء. 

والفارق في هذا العدوان أن هناك دعما مباشرا من الإدارة الأمريكية التي كانت فيما مضى تمارس نوعا من الخداع والنفاق وتقول إنها ترفض قتل المدنيين، ولكنها هذه المرة رفعت شعارا مزيفا تحت عنوان: "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وكأنه ليس من حق الفلسطيني أو أي طرف أن يدافع عن نفسه في وجه هذا العدوان والاحتلال الصهيوني. 

أما ما تريده حماس من العملية فهي ثلاثة أهداف أساسية تحقق منها في تقديري هدفان بنسبة كبيرة من البداية؛ فالهدف الأول كان ضرب فرقة غزة وتحطيمها وإرسال رسالة مفادها أن أفضل فرقة للعدو يمكن تحطيمها من خلال عمل المقاومة وهذا تحقق، حيث نجحت المقاومة خلال أربع ساعات بتدمير 14 موقعا بما في ذلك قيادة الفرقة والسيطرة عليها تماما وسوق العشرات من الجنود الأسرى. 

والهدف الثاني هو أن نحقق عملية تبادل تؤدي إلى إخراج جميع أسرانا من سجون الاحتلال، وأنا أعتقد أن نجاح المقاومين بأسر الجنود سيفتح الباب لتحقيق مثل هذا التبادل وتبيض السجون وإنهاء قضية الاعتقال الإداري بشكل كامل. 

اقرأ المزيد.. مقابلة الباحث عريب الرنتاوي حول شكل المنطقة بعد طوفان الأقصى

حسنى: من المؤكد أنكم قد عرفتم أن ردة الفعل ستكون عنيفة ومعروف أن الغاية هي كسر شوكة النضال، لكن هل يعقل أن يتم تحمل كل هذا الدمار من أجل إخراج الأسرى؟ 

أسامة حمدان: إخراج الأسرى هو أحد أهداف عملية طوفان الأقصى، ولكن الهدف الثالث وهو الأهم هو وضع كل القضية في مسار مختلف؛ فالعالم كان يتكلم خلال الأسابيع والشهور الماضية عن أن القضية الفلسطينية قد انتهت، وأن العمل جار على تصفيتها، وأن السلطة الفلسطينية من الممكن أن تظل إلى الأبد سلطة إدارة أمنية ومدنية مرتبطة بالاحتلال، وأن الوقت قد حان ليصبح الاحتلال كيانا طبيعيا يطبع مع كل دول المنطقة وترفع أعلامه في عواصم الدول العربية، حتى أن المبادرة العربية للسلام مع العدو وغيرها سقطت؛ فلم يعد هناك مبرر للتطبيع والتعايش مع هذا الاحتلال في الوقت الذي ما زال فيه الشعب الفلسطيني يعاني من بطشه وإرهابه. 

ونحن معنيون أن نضع القضية الفلسطينية في مسار صحيح، وهو أنها ما زالت قضية تحرر وطني، وأن القتال من أجل تحرير فلسطين ما زال قائما، وقد بدأنا نرى آثار هدفنا، حيث باتت القضية الفلسطينية تعود كقضية تحرر وطني وليس قضية حق وحسب، على أن تكون مآلاتها نهاية الاحتلال. 

وقد قرأت الإدارة الأمريكية ذلك، حيث بدأت تتحدث عن حل الدولتين من جديد، وكأنها تكتشف العجلة، واليوم ليس المطلوب حل الدولتين وليس المطلوب ضمان أمن إسرائيل؛ فلا يوجد أمن طالما أن الاحتلال موجود، إنما المطلوب هو إنهاء الاحتلال. 

حسنى: إحدى المشكلات التي تدعيها إسرائيل وأمريكا أن حماس ليست طرفا يمكن إقامة سلام معه، رغم أن الخطاب الذي سمعناه من محمد الضيف كان سياسيا، فهل يمكن بعد نهاية هذه الحرب أن يكون هناك مسار سياسي تنخرط به حماس؟ 

أسامة حمدان: 

ينبغي أن نتحدث بوضوح، مسار سياسي على القواعد التي انطلق على أساسها المسار السياسي السابق والذي أفضى إلى أوسلو، هذا لا يمكن أن يكون؛ لأن التجربة على مدار أكثر من 30 عاما كانت نكبة على قضيتنا وشعبنا.

هناك قرارات تلزم هذا الكيان بالانسحاب حتى خطوط الرابع من حزيران دون قيد أو شرط، فليلزموا الكيان بفعل ذلك إن استطاعوا، فهم من يقول إن هناك قرارات دولية ومؤسسات دولية ونظاما وقانونا دوليا، وهذا تحد كبير أمام المجتمع الدولي. 

أما نحن فإرادتنا كفلسطينيين واضحة؛ نريد من خلالها أرضنا من البحر إلى النهر، كما أننا لا نقاتل الصهاينة لأنهم يهود ولا نقاتلهم لأجل دينهم، فهم أحرار في ذلك، بل على العكس عندما طردتهم أوروبا منذ أكثر من ألف عام كان ملاذهم دائما الإتيان بهم إلى منطقتنا والعيش في أمتنا. 

المحرقة النازية لم تكن هي الوحيدة في تاريخ اليهود، فهم منعوا من دخول بريطانيا قرنين كاملين من الزمان وأحرقوا في فرنسا بالساحات العامة وطردوا من إسبانيا، ولم يحصل اليهود في فرنسا على حق ممارسة عبادتهم إلا قبل 200 عام، في الوقت الذي كانوا فيه جزءا طبيعيا من مكونات مجتمعنا الإسلامي منذ قيام المدينة المنورة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. 

وقضيتنا ليست ضد اليهود بل ضد الاحتلال، وفي النهاية يجب أن تكون هذه الأرض فلسطينية تحت سيادة فلسطينية، وأي شخص أجنبي يريد أن يعيش بيننا على قاعدة أن يحترم أن هذه دولة لها سيادة ولها قانون وفيها شعب فسيكون هذا أمر طبيعي، أما أن يأتي محتل ويقول إن الأرض له فهو أمر لا يمكن أن يكون مقبولا بأي حال من الأحوال. 

اقرأ المزيد.. طوفان الأقصى في اليوم الـ 23 حماس جاهزة لصفقة تبادل أسرى فورية

حسنى: لقد فهمت منك أن حماس لا تمانع أن تكون هناك دولة فلسطينية وفق حدود الرابع من حزيران عام 1967، فهل تتوقع أن تحقيق ذلك ممكن بعد أن سلبت المستوطنات الأراضي الفلسطينية؟ وهل هذا ممكن في ظل وجود سلطة فلسطينية يمكن أن تتعاونوا معها؟ 

أسامة حمدان: حتى أكون واضحا نحن لا نطالب بدولة على حدود الرابع من حزيران، ولسنا حريصين على أن تكون هذه حدود دولتنا، بل هذه خطوط احتلال كانت موجودة نتيجة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، ولكن في حال قامت هذه الدولة الحرة المستقلة فنحن لن نعارض ذلك، ونحن لن نشتبك فلسطينيا حول هذا الموضوع. 

إلا أن مشروعنا من أجل تحرير فلسطين سيظل مستمرا، فنحن لدينا 10 ملايين فلسطيني طردوا من أرضهم عام 1948، حيث كانوا 850 ألفا وبعد 70 عاما أصبحوا 10 ملايين، وهؤلاء لا يمكن أن تقول لهم إن حيفا ويافا وعكا لم تعد لك، بل هذا من حقه أن يعود إليها، وأنا أقول بكل بساطة أنه حتى لو قبلت كل الفصائل الفلسطينية دولة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 فإن هؤلاء سينطلقون مقاومين بصورة أخرى لاستعادة حقهم. 

ولا يمكن أن يظن أحد بأي حال من الأحوال أن بقاء الاحتلال على هذه الأرض يجعله شرعيا ويجعلها ملكا له، لذلك يجب التفريق بين مرحلة التحرير وبين الاستسلام لبقاء الاحتلال والاعتراف به، فنحن لا يمكن أن نعترف بأن لكيان الاحتلال حقا بأي جزء من فلسطين، وهناك فارق بين تفكيك هذا الاحتلال وبين التعامل مع اليهود، فنحن لا نريد أن نرمي أحدا في البحر إنما نريد السيادة لنا. 

وتقول الأرقام الرسمية للاحتلال إن أكثر من 62% من الصهاينة يحملون جنسيات أخرى، وعندما تم أسر الجنود تواصلت عدد من الدول لتقول إن الأسرى مواطنين لها، فكان سؤالنا حول إن كان القانون لديهم يسمح لأي من مواطنيهم بالخدمة في جيش غير جيش بلاده؛ إذ إن دول العالم ترفض أن يؤدي أفرادها الخدمة العسكرية في جيش دولة أخرى، إلا أن الدول الغربية تسمح لمواطنيها بالخدمة في الجيش الإسرائيلي؛ لأنهم يعتبرون الاحتلال جزءا من امتدادهم، فكان جوابنا واضحا حول أن أي شخص يخدم في جيش الاحتلال بغض النظر عن جنسيته الأم سيتعامل معه باعتبار أنه إسرائيلي أو أن يعود من حيث جاء، وهذا يعني فليعود الـ 62% من حيث جاؤوا ونحن غير معنيين بإيجاد حلول لهم، وأقول إن هذه أرضنا وحقنا ولن يسقط تقادم الاحتلال حقنا. 

اقرأ المزيد.. لمن السيادة على معبر رفح وكيف تمنع إسرائيل دخول المساعدات؟

حسنى: نحتاج في المجتمع الأردني أن نفهم كيف تفكر حركة حماس، هناك بعض السياسيين في حماس بدا في لغتهم شيء من العتب على المقاومة بالذات في لبنان على اعتبار أنهم انتظروا تحركا أوسع منها، كيف هو التواصل مع حزب الله ولماذا لم نر إلا مناوشات خفيفة عبر الحدود؟ 

أسامة حمدان: هناك فرق بين العتب والأمل، علاقتنا مع حزب الله عميقة وعلاقة تمتد لأكثر من 30 عاما وقامت على أساس مقاومة الكيان الصهيوني، ولا شك أن هذه العلاقة خدمت مشروع المقاومة كثيرا، وعندما انطلقت عملية طوفان الأقصى نحن لم نضع شروطا على أحد ولم نطلب شيئا محددا من أحد، بل نحن طلبنا من أمتنا أن تتحرك نصرة لفلسطين لقناعتنا أن هذه العملية أوجدت فرصة حقيقية للأمة. 

وبدلا من أن تنتظر الأمة المخططات الأمريكية لإعادة رسم خطط المنطقة وإعادة تصنيف الدول فيها، أتاحت هذه المعركة للأمة إعادة رسم خططها وفق مصالحنا كدول وشعوب، ولهذا طلبنا من الجميع أن يتدخل وتحدثنا مع أمتنا، وهذا ليس على قاعدة النجدة والإغاثة إنما على قاعدة أن هذه فرصة حقيقية لإحداث تغيير كبير وجوهري في المواجهة مع المشروع الاستعماري في منطقتنا. 

وربما هناك من إخواننا من كان يطمح أن يكون الحراك في الأردن أكبر مما هو عليه وأن يكون أكبر في لبنان، لكن لم يكن هذا شرطا، أما حول حزب الله فهناك فرقة إسرائيلية ترابط على حدود فلسطين مع لبنان وبعد ما أسميته بالمناوشات أصبحت هناك 3 فرق في المكان، ولو لم تكن هذه الحالة على الحدود لكانت الفرقتان الثانية والثالثة في غزة وتشاركان في قتل شعبنا. 

نرى حجم هذا الحراك، وربما في ظروف أخرى كان سيتحول إلى حرب واسعة جدا، لكن الجيش الإسرائيلي يخشى أن يخوض حربا على جبهتين، ولهذا يضبط سلوكه العسكري بحيث لا تكون نتيجته وقوع مواجهة واسعة، وأشير إلى أن هناك أكثر من 50 شهيدا في هذه المواجهات، ربما 45 منهم من حزب الله والآخرون فلسطينيون استعادوا فرصتهم في المقاومة عبر الحدود، ومنهم شهداء من حماس والجهاد الإسلامي وغيرها. 

ونحن نعتقد أن الأوان قد آن لتعبر الأمة عن إرادتها في مقاومة هذا المشروع، وأقولها لك بوضوح، نحن ندرك أن الشعب الأردني بكل مكوناته يرتبط بفلسطين ارتباطا لا يقل عن ارتباطنا، وحرصه على تحرير فلسطين ليس أقل من حرصنا، 

وأنا درست في الأردن وعشت فيها سنوات، وأعرف كيف ينظر هذا الشعب الأصيل لفلسطين ولجهاد شعبها، وقد عبر عن هذا الجهاد في سنوات الاحتلال الأولى وفي عام 1948 حينما هب أبناء الأردن والعشائر الأردنية للجهاد في فلسطين، كما جاهدوا عام 1967 وبعد ذلك، لهذا فأشواق أبناء الأردن للالتحام مع المقاومة في فلسطين ليست محل شك، وأنا آمل أن يأتي هذا اليوم؛ لأن استعادة القدس والأقصى يعد مشروع أمة وليس مشروعا فلسطينيا مجردا.

 ونعم نحن رأس الحربة ويجب أن لا نتنازل للحظة عن حقوقنا، ولكننا نؤمن أن هذا مشروع أمة "وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ" ومن هذا المنطلق نحن نرجو من أمتنا ونتطلع إلى دورها. 

وبكل تأكيد الكل يعلم ما لدى حزب الله من قدرات وإمكانيات تحقق الكثير، ولهذا عبر البعض من الإخوة بطريقة فهمت على أنها عتب، إلا أنها جاءت من واقع إدراكنا وثقتنا بأن قدراته تحدث تحولا من شأنه خدمة المسار الذي رسمته المقاومة لأجل فلسطين منذ السابع من تشرين الأول الجاري. 

اقرأ المزيد.. طوفان الأقصى تهدد الأمن الغذائي للاحتلال 75% منه من مزارع غلاف غزة

حسنى: لكن حزب الله يعلم أن أي تدخل له سيتبعه رد سافر ومباشر من أمريكا باتجاهه. 

أسامة حمدان: أنا أرى أنه ليس بالضرورة أن تسير الأمور كما يريد الأمريكي؛ ففي اليوم الأول للمعركة كان خطاب الأمريكي قاسيا جدا تجاه حماس واليوم بات أقل حدة؛ لأنه وجد نفسه أمام جدار مغلق إذا أراد أن يستمر بهذا الخطاب، حيث كان خطابه يعني حربا مباشرة على كامل الشعب الفلسطيني، والحرب على الشعب الفلسطيني تعني اشتباكا مع أمة عريضة وهذا يعني تهديدا لمصالح الأمريكي. 

ويجب أن يفهم الجميع أن الأمريكي إذا هددنا فهو يهدد مصالحه التي تعد أكبر من حجم تهديده؛ فنحن أمة يحاول الأمريكي أن يعتدي عليها وأقصى ما يمكن أن يهددنا به هو قتلنا. 

ونحن الأمة الوحيدة التي تنمو في العالم وغالبية أفرادها من الشباب، ونحن الأمة الوحيدة التي تؤمن أن الشهادة تفتح الطريق للأجيال القادمة لكي تعيش حرة كريمة عزيزة، فإذا هددنا أن يقتلنا فهو لا يهددنا بل عمليا يهدد مصالحه لأنه إذا قتلنا فمصالحه لن يكون لها وجود ولو بعد حين. 

لذلك يطلق الأمريكي التهديد وسرعان ما يعود خطوة إلى الوراء، ورأيناهم يتحدثون عن إرسال ضباط من المارينز ثم تراجعوا، وبعد أن بدأت الحرب البرية الليلة قبل الماضية أعلنوا أن الضابط المسؤول عن تقديم النصائح لجيش الاحتلال حول هذه الحملة قد غادر وعاد إلى الولايات المتحدة؛ ليقولوا إنهم غير معنيين لأنهم يدركون عواقب هذا الأمر عليهم وعلى مصالحهم، لذلك يجب ألا يحاول أحد إخافتنا بالتهديد الأمريكي فنحن ندرك خطورة أمريكا. 

حسنى: هناك حديث عن قرب التوصل إلى هدنة، وهناك حديث عن وساطات من أجل الأسرى، ماذا يمكن أن تخبرنا حول هذه الوسائل، ومتى تتوقع أن تنتهي هذه الحرب؟

أسامة حمدان: العملية العسكرية التي حصلت الليلة قبل الماضية ربما رسمت لدى الاحتلال قراءة واضحة عما يمكن أن يحصل فيما إذا اتسعت العملية البرية، لهذا من الطبيعي أن تبدأ الاتصالات من أجل وقف القتال ومعالجة ذيول ما حصل، وهذا حوار سياسي لا بد أن يأخذ وقته حتى ينضج ويصل إلى نهاية ترى المقاومة أنها تحقق مصالح شعبنا وقضيتنا. 

والمقاومة يجب أن تصبر حتى لا تقف في النهاية مستسلمة وهذا ما يريده الاحتلال، وأنا أطمئن الجميع أن شعبنا منحنا قدرة على الصمود أكثر مما كنا نحسب ونتوقع. 

وفي الوقت ذاته نحن نتحدث عن حجم كبير من المعاناة، ويجب أن لا يقلل أحد من ذلك حيث يوجد أكثر من 150 عائلة شطبت من السجل المدني وانقطع أثرها بعد هذا العدوان، كما أننا نتكلم عن 8 آلاف شهيد 70% منهم من النساء والأطفال، ونتحدث عن أكثر من 1200 عالق تحت الأنقاض حتى الآن ونتحدث عن 22 ألف جريح، وهذا الحجم من التضحيات يرتب مسؤولية أن لا تكون النهاية مخيبة لآمال شعبنا وأن تكون مكافئة قدر الإمكان لصموده وتضحياته. 

أنا أقول وبكل وضوح أن من يمنح الصمود للمقاومة ليست قدرة السلاح وحسب وهي موجودة، وليست قدرة المقاومين وإرادتهم وهي موجودة، ولكن الذي يمنحها القدرة الحقيقية على الصمود هي إرادة وقدرة الشعب الذي يقف وراء المقاومة ويقول تقدموا أنتم أبناؤنا وأنتم عنوان كرامتنا وعزتنا، ولذلك نحن قادرون على الصمود أكثر مما يتوقع عدونا، قادرون على الصمود إلى أن يصرخ عدونا من الألم، ونقول إن نتنياهو قد انتهت حياته السياسية بعد هذه المعركة وسيسجن بعدها بإذن الله.

حسنى: تضاربت الأنباء حول الدخول البري المحدود الذي حدث بين الرواية الإسرائيلية ورواية المقاومة، هل لديكم معلومات مؤكدة حول ما جرى والإصابات التي تكبدها العدو؟

أسامة حمدان: إن أبسط مؤشر على طبيعة ما جرى أن الاحتلال الذي دفع بقواته وعلى نمط قتالي جديد يتمثل بشكل موجات متلاحقة أملا منه في تحقيق تقدم لم ينجح به، والمتحدث باسم جيش الاحتلال وقف ليقول قتلنا ودمرنا وفعلنا ولم يستطع أن يقدم معلومة واحدة. فيما كان رد القسام أن أفرج عن لقطة واحدة من لقطات المعركة تبين إصابة مباشرة لناقلة جنود النمر، والتي تحتوي في العمليات القتالية على 14 جنديا، وهذه الإصابة الواحدة أرادت المقاومة من عرضها أن تقول أن لدينا تصويرا لأكثر من ذلك، لكن على الإسرائيلي ألا يبالغ في كذبه، وهذا جزء من فضح الموقف الإسرائيلي الكاذب. 

ونحن لا نخفي شهداءنا فهم عنوان العزة، والشخص حينما يخفي أمرا، يخفيه كي لا يؤثر على الروح المعنوية، ولكن عند قول شهداء فإن الروح المعنوية ترتفع عند المقاومين، والشهادة عنوان فخر ووسام عزة وكرامة في أمتنا. 

ولذلك أقول إن خطة الإنزال البحري فشلت ولم تستطع قوات الاحتلال الاقتراب من الشاطئ، وكل محاولات التقدم في المنطقة الوسطى وفي شمال القطاع لم تستطع أن تتجاوز بضعة أمتار وتوقفت الآليات عندها، ونجح المجاهدون في تكبيد الاحتلال خسائر أدت إلى تراجعه، ولو استطاع أن يتقدم لتحدث عن هذا التقدم ولعرض صورا ولو ملفقة لذلك، لكنه أدرك اكتشاف كذبه عندما عرض صورا ملفقة حول المستشفى المعمداني، لذلك بات أكثر حذرا في ذلك. 

ويجب أن يتذكر الجميع أن هذا الكيان كذبة قامت على أساس نظرية أن هذا المكان أرض بلا شعب وشعب بلا أرض، لذلك نحن لا نتحدث عن كذب جزئي بل نتحدث عن تاريخ من الكذب.

حسنى: هل يوجد تواصل مع السلطة الفلسطينية، لأننا نرى حراكا في الضفة الغربية وتألمنا عندما رأينا أفرادا من السلطة يقمعون المظاهرات، ولكن رغم ذلك قدم الفلسطينيون أكثر من 110 شهداء، فكيف تنظرون للحراك في الضفة وهل هنالك فتح لخطوط مع السلطة من أجل التقدم برواية فلسطينية واحدة؟

أسامة حمدان: قبل السابع من تشرين الأول بشهرين كان هناك لقاء في منطقة العلمين جمع الفصائل الفلسطينية، ودار في ذلك اللقاء حوار حول المستقبل الفلسطيني ونحن كنا واضحين في أننا حريصون على وحدة وطنية فلسطينية، وأن ذلك يكون من خلال إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في اختيار قيادته، وإن تعطل ذلك فالمقاومة لن تتعطل، ومشروع المقاومة ليس أزمة في المجتمع الفلسطيني والمشاريع السياسية الأخرى هي الطارئة في المشروع الفلسطيني ونحن لن نذهب للاشتباك الداخلي في ظل وجود معركة مع الاحتلال. 

ولكن بلا شك المطلوب من السلطة أن تتقدم خطوة للأمام لتواكب طموحات الشعب الفلسطيني ولتنسجم مع طموحات الشعب، ومعيب جدا أن يكون هناك 80 ألف مسلح في الأجهزة الأمنية والأمن الوطني الفلسطيني بنادقهم معلقة على أكتافهم في الوقت الذي يخوض شعبهم مقاومة ضد الاحتلال في غزة والضفة. وعندما أتكلم عن 110 شهداء في الضفة فأنا أتحدث عن مشروع مقاومة حقيقي في الضفة وهو مسؤولية وطنية على الجميع أن يقف منحازا إليه، أما إن كان غير قادر على ذلك فلا أقل من أن يرفع يده عن قمع الشعب الفلسطيني وأن يسمح له بالاشتباك مع هذا العدو. 

وأنا أقول بكل بساطة إن هذا الشعب سينجح في طرد الاحتلال، وعندها سيكون لهذه السلطة مكسب كما هو مكسب لكل الفلسطينيين بتحرير الأرض، واستعادة الحق ليست مكسبا لفئة دون أخرى ولا لفصيل دون آخر ولا لجزء دون غيره من الشعب الفلسطيني، ولذلك أنا أعتقد أن انتصار المقاومة يوم السابع من تشرين الأول يعد انتصارا للفلسطينيين جميعا وانتصارا للأمة. 

حسنى: سؤالي الأخير لك، لقاؤكم يوم أمس مع نبيه بري، لماذا كان وما هو المقصود منه؟

أسامة حمدان: هناك حراك سياسي تقوم به الحركة في هذه المرحلة لمواكبة الحراك الميداني، وهناك لقاءات وزيارة للبنان حيث سيكون على رأس الوفد الشيخ صالح العاروري الذي التقى مع السيد حسن نصر الله، وأمس التقى مع الرئيس نبيه بري، كما كانت هناك زيارة لموسكو قبل أيام وهناك زيارات لدول عربية بعضها ما زال في قيد الترتيب وبعضها يجري الآن، ونحن نجري جولة زيارات لشرح ما جرى، كما أن هناك دولا تدعم موقف الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبالتالي كان لا بد أن تزار لتشكر، كما هو العراق.

اقرأ المزيد.. من هي وحدة دلتا التي أرسلتها أميركا إلى "إسرائيل"

00:00:00